الاتهامات التي يواجهها إيلون ماسك بالترويج لخطاب «تمجيد النازية» و«معاداة السامية» ليست محصورة بما نشره على منصة X في الأيام الماضية، وهو أمر سنتطرق إليه في ما بعد. بدأت القصة قبل أشهر قليلة، حين أعلنت مجموعة الضغط ذات الميول اليسارية «ميديا ماترز فور أميركا» أنها وجدت إعلانات على منصة X وضعتها شركات رفيعة المستوى، داخل منشورات تشمل «اقتباسات لهتلر» و«مدحاً للنازيين» و«إنكاراً للمحرقة». كذلك، نشر ماسك سلسلة تغريدات هاجم فيها الملياردير المجري، جورج سوروس، الذي شبّهه بـ«الشرير اليهودي الخارق» X-Men Magneto، مدعياً أنّ سوروس يريد «تقويض نسيج الحضارة ذاته».

بعد ساعات على عملية «طوفان الأقصى»، سارع المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بروتون، إلى بعث رسائل إلى كلٍّ من مالك منصة X (تويتر سابقاً) إيلون ماسك، ومؤسس منصة «ميتا» مارك زاكربيرغ، يحثهما فيها على مكافحة «المعلومات المضلّلة والخاطئة» على وجه السرعة. وفي حين انصاع زاكربيرغ للطلب، لم يأبه ماسك بتاتاً. أضف إلى ذلك أنّه خلال زيارة رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، كاليفورنيا في 18 أيلول (سبتمبر) الماضي، التقى بإيلون ماسك للحديث عن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وفي اللقاء الذي بثته منصة X، دعا نتنياهو إيلون ماسك إلى «دحر» معاداة السامية عن منصة X، فردّ ماسك يومها بأنه «ضد مهاجمة أي مجموعة، بغض النظر عن هويتها»، مضيفاً أنّ رؤيته للبشرية بأن تصبح فصيلةً تسبر غور الفضاء، يقوّضها «الاقتتال الداخلي والكراهية والسلبية» على الأرض.
يوم الأربعاء الماضي، نشر حساب @breakingbaht على منصة X، تغريدة أجرت مقارنات مع «نظرية الاستبدال العظيم» (تدّعي النظرية أنّ الشعب اليهودي واليساريين يصممون عملية الاستبدال العرقي والثقافي للسكّان البيض في أميركا بمهاجرين غير بيض، ما سيؤدي إلى «إبادة جماعية للبيض».) تحدّث المنشور عن أنّ اليهود يؤيدون «الكراهية ضد البيض» ويدعمون هجرة «جحافل الأقليات». هنا بدأت الحملة ضد ماسك عندما أيّد المنشور قائلاً: «لقد قلت الحقيقة فعلاً». مع اشتداد الهجوم على زلّته المعادية للسامية كما لليسار، قال ماسك إن تعليقه لا يشير إلى كل الشعب اليهودي، بل إلى مجموعات مثل «رابطة مكافحة التشهير» (ADL) ومجموعات أخرى غير محددة.
نتيجة لذلك، ندد البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي، بتأييد ماسك للتغريدة، متّهماً إياه بـ«الترويج البغيض للكراهية العنصرية والمعادية للسامية» التي «تتعارض مع قيمنا الأساسية كأميركيين». وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، أندرو بيتس، إنه «من غير المقبول تكرار الكذبة البشعة... بعد مرور شهر على اليوم الأكثر دموية في تاريخ الشعب اليهودي منذ المحرقة»، في إشارة إلى عملية «طوفان الأقصى» التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). يوم الخميس الماضي، كانت IBM أول شركة تسحب إعلاناتها من منصة X بعد تحقيق «ميديا ماترز فور أميركا»، قائلة إن تجاور إعلاناتها مع المحتوى النازي «غير مقبول على الإطلاق». كما سحب كل من «المفوضية الأوروبية» و«كومكاست» و«شبكة التلفزيون باراماونت» و«آبل» و«ديزني» واستوديو الأفلام «لايونزغايت» أموال الإعلانات من شركة X. ومع تصاعد الجدل، أعلن ماسك، يوم الجمعة الماضي، عن خطوات جديدة ترمي إلى مكافحة ما وصفه بـ «الدعوات إلى العنف الشديد» ضد «إسرائيل». وفي منشور له على موقع X، قال إنّه سيعلّق حساب أي شخص يستخدم عبارات مثل «من النهر إلى البحر»، التي تدّعي «رابطة مكافحة التشهير» (ADL) بأنّها دعوة مبطنة لتدمير «إسرائيل». سرعان ما أشاد الرئيس التنفيذي للرابطة، جوناثان غرينبلات، بالإعلان، قائلاً إنها «خطوة مهمة ومرحّب بها». هذه القرارات اللاحقة التي اتخذها ماسك، تأتي بمثابة تلاوة فعل ندامة على زلّته المعادية للسامية، فيما تتزايد التساؤلات عن إمكان تقييد المحتوى المناصر لفلسطين على X كثمن لخطأ ماسك.
في سياق متصل، هدد إيلون ماسك بمقاضاة هيئة مراقبة وسائل الإعلام «ميديا ماترز» وأولئك الذين انتقدوا المنصة بعدما أوقفت العديد من الشركات الأميركية الكبرى إعلاناتها فيها. وتعهّد ماسك برفع «دعوى قضائية نووية حرارية» ضد «ميديا ماترز» وآخرين متورطين في الهجوم على شركته. رداً على ذلك، وصفت ميديا ماترز» ماسك بأنه «متنمر»، وأكدت أنها ستفوز إذا لجأ إلى الإجراءات القانونية. وتجدر الإشارة إلى أنّ ماسك كان سبق أن رفع دعوى قضائية ضد مجموعة «مناهضة خطاب الكراهية» في شهر آب (أغسطس) الماضي. واتهمت الدعوى القضائية «مركز مكافحة الكراهية الرقمية» (CCDH) بتنظيم «حملة تخويف لإبعاد المعلنين عن منصة X» عبر نشر تقارير بحثية تدّعي أن خدمة التواصل الاجتماعي فشلت في اتخاذ إجراءات ضد المنشورات التي تحض على الكراهية.
أعلن ماسك أنّه سيعلّق حساب أي شخص يستخدم عبارات مثل «من النهر إلى البحر»

ورداً على الجدل الدائر حوله، قال ماسك إن العديد من كبار المعلنين «يضطهدون» حرية التعبير. منذ استحواذ ماسك على منصة X في 2022 ،توقف أكثر من نصف معلني تويتر البالغ عددهم ألف معلن عن الإنفاق على المنصة. وهذا يدل على المدى الذي وصلت إليه هجرة المعلنين. وبعض العلامات التجارية الكبرى التي سحبت أموالها الإعلانية قبل الحادثة الأخيرة تشمل «كوكا كولا»، و«يونيليفر»، و«جيب»، و«ويلز فارغو»، و«ميرك». قبل أن يتولى ماسك إدارة الشركة، كانت الإعلانات تشكل نحو 90% من إيرادات X، لكن مع ابتعاد هؤلاء، حاول استبدال اعتماده على الدولارات الإعلانية عبر محاولة إنشاء فئة عضوية مدفوعة الأجر في منصة X.
إيلون ماسك شخصية لا يمكن السيطرة عليها، أقلّه هذا ما نفهمه من تصرفاته. هو ملياردير في أميركا، ويتصرف وفقاً لذلك. لا يستجيب للدعوات من أي جهة إن شعر بالتهديد منها، ويتسلح بحبّ الناس والفئات الشابة له بشكل غير مسبوق. هو ظاهرة في هذا السياق. وبالتالي، لا يجب التعاطف معه على أساس أنه مُضطهد من لوبيات صهيونية أو من شركات كبرى. هو لا يريد دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة، ويريد رؤية «سلام» بين الشعب الفلسطيني وكيان الاحتلال، ومشكلته مع إدارة بايدن أنّ ماسك كاره للنقابات العمّالية، والجناح التقدمي في الحزب الديموقراطي يهاجمه لأجل ذلك. باختصار، الرجل له حساباته الخاصة.



حرية التعبير في خدمة AI
قبل أيام، أعلن إيلون ماسك عن إطلاقه نظام الذكاء الاصطناعي «غروك»، الذي سيكون منافساً لنظام «تشات جي بي تي». وقال إنّ «غروك» تدرّب، وسيبقى يتدرّب، على كل المحتوى المنشور على منصة X. والجدير ذكره أنّ «تشات جي بي تي» تدرب أيضاً على محتوى X إلى أن أوقف ماسك السماح لشركة openAI مالكة النظام في الوصول إلى المحتوى. محتوى X بالغ الأهمية لتدريب أي نظام لذكاء اصطناعي موجّه تحديداً لإجراء محادثات، بالتالي، إذا كانت أصوات الناس مقموعة على X، والمنصة تحوي سردية واحدة فقط، سينعكس هذا سلباً على عملية تدريب النظام. مشكلة تحدث عنها أيضاً الرئيس التنفيذي السابق (طُرد يوم السبت) لشركة openAI، سام ألتمن، قائلاً إن الرقابة المفلترة على أنظمة الذكاء الاصطناعي تعني أنظمة فاشلة وغير مدربة على نحو جيد، وأن تلك الأنظمة بحاجة إلى التدرب على كل شيء من أجل مواصلة عملية الارتقاء. هذا جانب أساسي لفهم سبب محاولة ماسك إبقاء جميع الأصوات على منصته، فهو يستخدم X كوعاء يلتهم منه «غروك» ما يريد.