القاهرة | لم تتوقف الاتصالات بين مصر وقطر والولايات المتحدة حيال الوضع في قطاع غزة، فيما يَظهر أن تمديد الهدنة لم يَعُد هدفاً عربياً فحسب، بل وأميركياً أيضاً، وذلك في ضوء بروز تحفّظات داخل البيت الأبيض على استئناف العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، بدأت تنعكس على الموقف الأميركي الذي بات مهتمّاً باستمرار «الهدوء» لأطول فترة ممكنة. وجاء تأخير الإفراج عن الأسرى في اليومَين الماضيَين، ومماطلة تل أبيب في تنفيذ بنود الهدنة، ليُترجَما ضيقاً أميركياً من الموقف الإسرائيلي، وضغوطاً مارستها كل من القاهرة والدوحة لإقناع واشنطن بالتدخُّل للضغط على تل أبيب، قبل أن تتلقّيا وعوداً بمزيد من التسهيلات لحلّ الأمور اللوجستية التي تعيق إدخال 200 شاحنة مساعدات يوميّاً، وفق ما يقتضيه الاتفاق.والواقع أن الحديث عن إدخال مزيد من شاحنات المساعدات، والتفاوض لإدخال شحنات غاز إضافية لسكان القطاع، لم يَعُد فقط جزءاً من مفاوضات تمديد الهدنة، ولكن جزءاً أساسيّاً من الضغوط التي تسلّطها المنظمات الإغاثية، وهو ما يخدم التوجه المصري - القطري لتشكيل لوبي يضغط على إسرائيل للاستجابة لذلك المطلب. وفي هذا الإطار، عبرت وزيرة التعاون الدولي المصرية، رانيا المشاط، يوم أمس، وللمرّة الأولى، إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح، في خطوة رمزية يُحتمل أن تفتح على زيارات يجري الترتيب لها لمسؤولين دوليين إلى قطاع غزة، لمعاينة حجم الدمار الهائل الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي، فضلاً عن إبراز المعاناة الإنسانية لسكان القطاع. وتخلّل التحركات المصرية التي تضمّنت أيضاً إيفاد وزير الخارجية، سامح شكري، للمشاركة في اجتماعات مجلس الأمن حول غزة على المستوى الوزاري، تأكيد لكون إطالة أمد الهدنة هو السبيل الوحيد لبدء مرحلة جديدة من التفاوض السياسي، وسط استمرار الضغط على تل أبيب لإجبارها على التمديد.
تخشى مصر محاولات بنيامين نتنياهو استئناف الحرب من أجل ضمان بقائه في السلطة


وبالعودة إلى الاتصالات المباشرة التي جرت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر تميم بن حمد، والرئيس الأميركي جو بايدن، خلال اليومَين الماضيَين، فإن الاتفاق في شأن تمديد الهدنة، والبدء بمسار سياسي، مع ضمان حفاظ فصائل المقاومة الفلسطينية على أرواح الأسرى الإسرائيليين، كل ذلك يصبّ في إطار التحرّكات المصرية - القطرية لإنهاء المأساة الحالية. ووفق مصادر مصرية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «قرار استئناف العملية العسكرية الإسرائيلية، الذي يميل إليه مجلس الحرب حتى بعد تمديد الهدنة، سيكون أمراً صعباً للغاية حدوثه، لكن إذا حدث ستكون نتائجه كارثية على الأرض، مع عمليات تدمير واسعة ستطاول شمال قطاع غزة». وأضافت المصادر أن التقارير الاستخبارية تشير إلى أن «عملية تجريف واسعة ستطاول المنطقة الحدودية في القطاع»، حيث «ستعمل إسرائيل على التدمير الكامل للمنطقة بما يجعل أهلها غير قادرين على العيش فيها»، وهو أمر ترفضه مصر بشكل قاطع لخطورته على الأمن القومي المصري.
ولعلّ ما تخشاه مصر في الوقت الحالي، محاولات رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، استئناف الحرب من أجل ضمان بقائه في السلطة، وهو الرهان الوحيد المتبقّي أمام الرجل للاستمرار في الحكم، لكنها، في الوقت ذاته، تتابع مواقف الداخل الإسرائيلي، وقدرته على الضغط لإحداث تغيير حقيقي في سياسات الحكومة الحالية. وبحسب المصادر المصرية، فإن الطريق أمام تمديد الهدنة أصبح مفتوحاً بشكل كامل، خاصة في ظلّ المرونة التي تبديها فصائل المقاومة، وانخراطها في تنسيق مكثّف مع مصر وقطر.
وفي الموازاة، فإن تسهيل العمل في معبر رفح، والذي سمح باستقبال 353 مصاباً برفقة 292 من ذويهم، وعبور أكثر من 10 آلاف شخص منذ بداية الحرب، لم يجعله مفتوحاً بعد أمام الفلسطينيين الذين لديهم وجهة ثالثة للسفر خارج مصر، إذ يركّز المعبر على خروج مزدوجي الجنسية، فيما يخضع خروج الفلسطينيين لتنسيق مصري - إسرائيلي.