يشغل سؤال اليوم التالي للحرب بال النخب الإسرائيلية، فيما يفترض بعض هذه الأخيرة أنّ النتيجة محسومة لمصلحة إسرائيل، متنكّرةً بذلك لتعقيدات الميدان العسكري وواقعه المركّب، وحقيقة أن الحرب المستمرّة منذ حوالى الشهرين لم تقترب من تشكيل ملمحٍ واحدٍ من ملامح صورة نصر تنشدها إسرائيل، وأنه حتى في شمال القطاع الذي «أحكمت إسرائيل سيطرتها عليه»، كما تدّعي، يخرج مقاتلو «كتائب القسّام» ليسلّموا الأسرى الإسرائيليين على مرأى من جنود الاحتلال، ويكسروا عِصيّ الأعلام الإسرائيلية التي غُرزت فوق مواقع «سيطر عليها» الجنود.ورغم أنه لا يزال من المبكر استشراف صورة «اليوم التالي»، باعتبارها مرتبطة بمجريات الميدان ونتائجه، حذّر القنصل العام السابق لإسرائيل في جنوب غرب الولايات المتحدة، ومستشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سابقاً، جلعاد كاتس، من «انزلاق» مصطلح «سلطة فلسطينية متجدّدة» في الأيام الماضية إلى الخطاب الإسرائيلي، معتبراً أن ذلك يأتي في إطار «نهاية الحرب والتفكير في اليوم التالي، حيث سيتركز النقاش حول سؤال مصيري من شأنه أن يحدّد ملامح الصراع للعقد القريب»، وهو من سيحكم قطاع غزة؟ وفي هذا الإطار، ذكّر كاتس بتصريحات نتنياهو وآخرين من قادة الحرب الذين يكرّرون أن «إسرائيل ستواصل السيطرة العسكرية - والأمنية في القطاع»، في حين أن رئيس حزب «هناك مستقبل»، يائير لبيد، ورئيسة حزب «العمل»، ميراف ميخائيلي، و«بقايا اليسار» في إسرائيل «يدّعون أن القضاء على حماس يُظهر فرصة ممتازة لإعادة السلطة الفلسطينية لتَحكم غزة»، لكنّ «جزءاً من هؤلاء هم أيضاً من أتباع أوسلو، وهم إمّا لا يتذكرون أو لا يعبؤون بأننا حاولنا بالفعل السيطرة على السلطة الفلسطينية في غزة، وقد حدث هذا بين عامي 1994 - 2007... وأنه كما نعلم، فإن هذه المحاولة باءت بالفشل الذريع والتام، عندما قامت حماس بانقلاب في القطاع بعد فوزها في الانتخابات وإخراج السلطة الفلسطينية، معدمةً على الفور بعض أعضاء الأخيرة، قبل طردها الباقين».
ولفت كاتس إلى أن لبيد وميخائيلي وغالبية «أنصار السلطة الفلسطينية المهووسين»، كما سمّاهم، يدركون أن «الطريقة الوحيدة للترويج لخطّتهم لإعادة السلطة إلى السيطرة على القطاع هي من خلال بيع الخطّة تحت اسم جديد»، ولذا، فقد «جلسوا وفكّروا ليخلصوا إلى أن عودة السلطة الفلسطينية المتجددة شيء مختلف تماماً، وكأن هناك فرقاً بين السلطة والسلطة المتجددة». وإذ أشار إلى أنهم «كانوا متحمّسين جداً لاختراعهم الطفولي هذا إلى درجة أنهم بدأوا بتسويقه كما لو كان خطّة سياسية عبقرية»، فقد أضاف أن هذه «الفكرة المنحرفة» وجدت طريقها «لترسخ حتى في صفوف القادة الدوليين وفي مقدمتهم، الرئيس الأميركي، جو بايدن»، معتبراً أنه «ليس من المستغرب أن هؤلاء القادة، ومن ضمنهم بايدن، لم يتطرّقوا إلى تفاصيل الخطّة المطروحة لليوم التالي».
ونبّه المستشار السابق لنتنياهو إلى أن «معظم الإسرائيليين سئموا الخطط السياسية التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها تتألّق من الخارج، فيما هي فاسدة من الداخل»، مضيفاً أنه «بعد اتفاق أوسلو وخطّة فك الارتباط، أدركت الغالبية الإسرائيلية العظمى أن مستقبل هذه الخطط هو المهمّ، وليس التصريحات والنوايا». وبناءً على ما تقدّم، رأى أن على «المعسكر الوطني» الذي يقوده وزير «كابينت الحرب» المُصغّر، بني غانتس، تحديداً (بصفته كان شريك لبيد وميخائيلي في المعارضة قبل انضمامه إلى حكومة الطوارئ)، أن «يعمل على تعرية خديعة "السلطة الفلسطينية المتجددة"»، معتبراً أنه «لا يوجد شيء كهذا»، متسائلاً: «هل تعترف هذه السلطة بحق دولة إسرائيل في الوجود؟ هل ذلك الكيان الوهمي يؤيّد دفع رواتب منتظمة للإرهابيين وعائلاتهم؟ وهل يحارب هذا الاختراع الافتراضي المنظمات الإرهابية الفلسطينية أم يغضّ الطرف عنها؟».
«من الصحيح أن ترتيباً سياسياً إقليمياً جديداً قد يكون في مصلحة إسرائيل، ولكن ليس عندما تكون إيران في مركز هذا الترتيب»


بالنسبة إلى كاتس، فإن الإجابات عن تلك الأسئلة «واضحة لكل من ينظر إلى الواقع بملء عينيه»، كما قال، معتبراً أن «الخطط السياسية الوهمية وغير الواقعية، والتي لا تجيب عن شيء، أصبحت هي الخطط الرئيسية للأحزاب والسياسيين واللاعبين في المجتمع الدولي، في حين أنه يحظر على «المعسكر الوطني» التصرّف كما دأب دائماً»، في إشارة إلى أن عليه رفض حلول كهذه، إذ «لا ينبغي ترك المجال السياسي والأمني فارغاً ومباحاً للمشعوذين وناقصي الفهم. فلا يوجد فراغ في العالم السياسي، وإذا لم يقدّم المعسكر الوطني خطّة سياسية منظمة وواقعية، واستمر في التصرف مثل «دمية الدُب لالا»، فإن ما قد يحدث هو تحقيق كابوسنا، أي اعتماد الخطة السياسية الأمنية للسلطة الفلسطينية المعاد تنشيطها، وإذا حدث ذلك، فإن العدّ التنازلي لتكرار مذبحة السابع من أكتوبر قد بدأ».
من جهته، دعا المصرفي ورجل الأعمال الإسرائيلي، وعضو الكنيست عن حزب «الليكود» سابقاً، زلمان شوفال، والذي شغل أيضاً منصب السفير الإسرائيلي لدى واشنطن (1990-2000)، إلى إنشاء ترتيب سياسي إقليمي جديد لمصلحة إسرائيل، يتضمّن القضية الفلسطينية، من طريق دمجها ضمن «اتفاقيات أبراهام»، معتبراً، في الوقت نفسه، أن ذلك لا يمكن الوصول إليه إلّا إذا حقّقت إسرائيل أهداف الحرب التي وضعتها. وتساءل زلمان، في مقالة في صحيفة «معاريف»، عمّا ستكون عليه النهاية العسكرية والسياسية للحرب؟ ليجيب بأن «الهدف الواضح هو حلّ حماستان (في إشارة إلى أن حماس "ديار" إيرانية)، ويجب ألا نحيد عنه»، مضيفاً أنه «في أيّ سيناريو سياسي، إن مسألة الأمن في غزة يجب أن تبقى تحت سيطرة إسرائيل، ومن الممكن أن يضطرّنا ذلك إلى إنشاء حكم عسكري مؤقّت». غير أن ما سبق بحسبه، «لا يجيب عن السؤال الحقيقي: ماذا بعد؟»، معتبراً أن «الحلّ الحقيقي والكامل لن يكون ممكناً من دون إجلاء (تهجير) ثلث سكان غزة على الأقلّ، الأمر الذي يتطلّب مساعدات اقتصادية، دولية وعربية، متعدّدة الأبعاد».
كما تطرّق زلمان إلى الأفكار التي طُرحت للحلّ، والتي عدّها جميعها بمنزلة «وصفة لإدامة المشكلات في غزة»، رافضاً فكرة «السلطة الفلسطينية المتجدّدة/ أو المغسولة الدماغ» والتي تناولها الرئيس الأميركي في مقالة له، معتبراً أن كلّ ما يرتبط بالسلطة «ينبغي ألّا يستمرّ». وأشار إلى أنّ «ثمّة سيناريوات وأفكاراً أخرى يجري تداولها، وهي تحظى بدعم أميركي، ومن بينها طرح الحلّ كجزء من صفقة شاملة تتضمّن تطبيعاً مع السعودية في ظلّ تعزيز التقارب بين الأخيرة وإيران، بموازاة تفاهمات بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يُثبت «عدم وجود ردّ أميركي حاسم على الهجمات التي (تتلقّاها القوات الأميركية) في اليمن وسوريا والعراق». وخلص إلى أنه «من الواضح أنّ يد إيران في أيّ حلّ شامل كهذا لم تختفِ تماماً»، داعياً إسرائيل إلى «حشد كلّ القوى والعقول الديبلوماسية لدرء أي تطورات من شأنها أن تكون سلبية عليها»، منبّهاً إلى أنه «من الصحيح أن ترتيباً سياسياً إقليمياً جديداً قد يكون في مصلحة إسرائيل، ولكن ليس عندما تكون إيران في مركز هذا الترتيب، والسبب أن تدمير إسرائيل هو هدفٌ مركزي لإيران».