الحسكة | استأنفت قوات القبائل والعشائر في دير الزور، قبل أكثر من أسبوعَين، هجماتها ضدّ «قسد»، مكثّفةً إياها بشكل أكبر منذ مطلع الأسبوع الجاري، وذلك إثر فشل المفاوضات التي أجراها شيخ شمل العكيدات، مصعب الهفل، مع ممثّلين عن القوات الأميركية في الدوحة وأربيل، للتوصّل إلى اتفاق يمنح أبناء العشائر في المنطقة حقّ المشاركة في إدارة مناطقهم. وطاول ما لا يقلّ عن 20 هجوماً مواقع ومقارّ لـ«قسد» في قرى وبلدات الصور والشحيل والطيانة وشنان وهجين والحوايج في الريف الشرقي، والزغير والحصان وبريهة والعزبة في الريفَين الشمالي والغربي، تأكيداً لرفض التسوية التي كانت «قسد» قد أعلنت فتح بابها لكلّ المشاركين في الهجمات الأخيرة على قواتها.وجاءت هذه التطورات بعد الإعلان عن تشكيل مجموعات عسكرية جديدة، بمسمّيات مختلفة، للقتال إلى جانب العشائر، فضلاً عن إعلان قائد لواء في «قسد»، في بيان مصوّر، «الانشقاق والانضمام إلى جيش القبائل والعشائر بزعامة الشيخ إبراهيم الهفل». وأكّد المنشقّ ومجموعته أن «كلّ شخص يقف إلى جانب قسد هو عدوّنا (...) هدفنا الأساسي هو قتال ميليشيا قسد وطردها من المنطقة»، داعياً «أبناء العشائر الذين يقاتلون ضمن قسد إلى الانشقاق عنها والانضمام إلى جيش العشائر». وحملت الهجمات الأخيرة لمقاتلي العشائر تكتيكاً عسكرياً جديداً، تمثّل في شنّ هجمات مباغتة ومتزامنة على عدّة مقارّ ومواقع في قرى وبلدات متجاورة، والسيطرة عليها والاستيلاء على الأسلحة الموجودة فيها، والانسحاب منها لاحقاً. والظاهر أن المقاتلين العشائريين استفادوا من التجربة السابقة، واستغنوا عن تجربة التثبيت الميداني على الأرض، لإدراكهم عدم وجود توازن في القوى، في ظلّ قدرة «قسد» على التحشيد والاستعانة بقواتها في الحسكة والرقة والمناطق الأخرى لاستعادة المناطق التي تخسرها. كما يعتمد المقاتلون العشائريون أسلوب مهاجمة الدوريات والآليات المتحرّكة لـ«قسد»، وفق مبدأ «الذئاب المنفردة»، وهو ما ظهر جلياً عبر تشكيل «مجموعة ذئاب الفرات».
وكانت «قسد» قد رفضت السماح بعبور موكب للشيخ الهفل من كردستان - العراق في اتجاه مناطق سيطرتها، وأصرّت على اعتبار مقاتلي العشائر من «المخربين»، مبرّرة ذلك بالأسباب الأمنية، نتيجة وجود اضطرابات في منطقة وجود مشيخة قبيلة العكيدات، في بلدة ذيبان، في الريف الشرقي لدير الزور. وهنا، تؤكد مصادر عشائرية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «قسد نجحت في إقناع الأميركيين بأن هجمات مقاتلي العشائر تتمّ بدعم كامل من الحكومة السورية والإيرانيين، ما أدى إلى تجميد المفاوضات مع الشيخ مصعب الهفل، وطرح إمكانية دمج مقاتليه مع قسد والمشاركة في مؤسّساتها المدنية والعسكرية»، رافضةً «اتّهامات قسد بأن مقاتلي العشائر ينتمون إلى أيّ جهة كانت، فهم يمثّلون نضال ومقاومة أبناء العشائر في وجه ممارسات قسد». ومع ذلك، تعتقد المصادر أن «طريق تعامل قسد مع الاحتجاجات ضدّها ترتدّ سلباً عليها، وتدفع المزيد من أبناء العشائر إلى الانضمام إلى المقاتلين العشائريين، في ظلّ تسجيل العديد من حالات الانشقاق من قبل عناصرها، وانتقالهم إلى صفوف جيش العشائر والقبائل»، مؤكدةً أن «مقاتلي العشائر مستمرّون في هجماتهم إلى حين تحقيق هدفهم في إخراج قسد من كامل المنطقة، وتركها لأهلها»، منبّهةً إلى أن «ديوان قبيلة العكيدات في الوطن العربي هو في بلدة ذيبان، ومن يمثّله أولاد عبود الهفل، مصعب وإبراهيم، وكلّ شخص خارج هذا الديوان لا يحق له تمثيل القبيلة في أيّ محفل أو اجتماع».
تؤكد مصادر عشائرية، لـ«الأخبار»، أن «قسد» نجحت في إقناع الأميركيين بأن «هجمات مقاتلي العشائر تتمّ بدعم كامل من الحكومة السورية والإيرانيين»


من جهتها، أعلنت «قسد»، عبر مركزها الإعلامي، عقد اجتماع موسّع مع ممثّلين عن «التحالف الدولي»، وشيوخ ووجهاء قبيلة العكيدات، لبحث الأوضاع في دير الزور. وقالت، في بيان، إن «الاجتماع بحث محاولات بثّ الفتنة عبر رفع أطراف من الخارج شعار تمثيل العشائر»، مشيرة إلى «رفض شيوخ ووجهاء مشاركين في الاجتماع تقرير مصير عشائرهم من قبل تلك الأطراف الخارجية وتدخلها في شؤون المنطقة»، وتأكيدهم «دعمهم لقسد التي يتشكّل عمادها من أبناء المنطقة». ولفتت إلى أن «شيوخ ووجهاء القبيلة طالبوا التحالف بزيادة دعم قسد للتصدّي للمسلّحين التابعين لقوات حكومة دمشق التي تسعى إلى نشر الفوضى والبلبلة في المنطقة». كما نشرت «قسد» على صفحة «المركز الإعلامي» التابع لها، ما قالت إنها «اعترافات لمرتزقة تابعين للنظام السوري شاركوا في أحداث دير الزور»، معلنةً أنها «ألقت القبض على عدد من الأشخاص الذين تسلّلوا من مناطق سيطرة النظام السوري إلى مناطق قسد في دير الزور، لمهاجمة هذه المناطق، وضرب الأمن والاستقرار فيها».
بدوره، كشف القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، في تصريحات إلى موقع «المونيتور» الأميركي، أن «الولايات المتحدة أبلغتهم رسمياً بأنها لن تنسحب من المنطقة بسبب التوترات الأخيرة التي تشهدها»، في إشارة إلى تصاعد هجمات المقاومة ضدّ القواعد الأميركية في كلّ من سوريا والعراق، لافتاً إلى أن «إيران تسعى إلى إخراج القوات الأميركية من سوريا، وهو هدف أساسي ومشترك مع النظام السوري وتركيا». ورأى عبدي أن «ردّ الولايات المتحدة على الهجمات الأخيرة، ليس له التأثير الرادع المطلوب»، مشيراً إلى أنهم «لا يريدون أن تصبح مناطقهم ساحة معركة بين واشنطن وطهران».