في منشور عبر منصة «إكس»، أول من أمس، كتب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي رفض في غير محطّة أيّ وقفٍ شامل لإطلاق النار في قطاع غزة، باعتباره يصبّ في مصلحة المقاومة الفلسطينية، أن «استمرار القتل والعنف» هو ما أصبح «يصبّ في مصلحة (حماس)»، مؤكداً أنه «لا يمكن السماح بحصول ذلك»، في أحدث مؤشّر إلى التبدُّل الكبير في نبرة الولايات المتحدة إزاء الدعم «الكبير والكامل» الذي أعلنته إدارتها الحالية للعدوان الإسرائيلي على غزة في بداياته. ويقترن هذا «التبدُّل» بدعوات متنامية في أوساط المحلّلين الغربيين، إلى ضرورة أن تجد واشنطن سبيلاً لـ«الخروج سريعاً» من منطقة الشرق الأوسط، بعدما «هرعت» أساطيلها وقواتها إليها لنجدة حليفتها إسرائيل في أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، وبعدما فشِلَ هذا «الدعم» في «ردع» إيران وحلفائها عن تصعيد هجماتهم. كما تتزامن هذه الدعوات مع إقرار متزايد وأكثر صراحة من قِبَل مراقبين بأن إسرائيل لن تكون قادرة على «هزيمة (حماس) بالقوّة العسكرية»، فيما «أجراس الإنذار تدقّ في البنتاغون» حول ما يجب فعله «في اليوم التالي»، ليس فقط في غزة، إنّما أيضاً في أنحاء أخرى من العالم، حيث المواجهة تدور مع خصوم «أكثر قوّة وقدرة» على غرار روسيا والصين، ولا سيما بعدما أثبتت قدرات إسرائيل الأمنية والتكنولوجية، والتي تعتمد عليها الولايات المتحدة نفسها وحلفاؤها في أماكن أخرى لـ«ردع» خصومهم، فشلها في ضمان أمن كيان الاحتلال أو جعله يكسب حروبه.ويورد تقرير في مجلّة «فورين أفيرز» الأميركية نُشر الشهر الجاري، أنه فيما كانت الدول النظامية تحاول هزيمة «الجماعات الإرهابية» في السابق، فإن الحرب بين إسرائيل و«حماس» سلّطت الضوء بشكل كبير على الأسباب التي تجعل هذه المهمّة شبه مستعصية، مع التحذير من أن «امتيازات» إسرائيل العسكرية بدأت في «الانحسار»، إذ ثبت أنه من الصعب، إنْ لم يكن «من المستحيل»، «هزيمة حماس عبر القوّة العسكرية». وطبقاً لكاتبة التقرير، فإنّ التكنولوجيا التي من المفترض أن تصبّ في مصلحة الجيوش النظامية «قلّصت»، بدلاً من ذلك، الفجوة بين الدول والجماعات غير المنظّمة، ما سمح للأخيرة بالتصرّف بأساليب تحاكي عمليات الدول، إذ أظهرت «حماس» مثلاً أنها قادرة على شنّ هجمات معقّدة «والترويج لها دعائياً على قدر من المساواة» مع إسرائيل. كما ساعدت التكتيكات القديمة، من مثل بناء شبكات من الأنفاق تحت غزة، «حماس» على صدّ «خصم أقوى»، بالإضافة إلى أن الحركة اكتسبت نقطة «قوة»، عبر النجاح في أسر حوالى 240 رهينة.
يتردّد صدى عملية «طوفان الأقصى»، التي جعلت إسرائيل تبدو «بلداً ضعيفاً إلى حد كبير»، في قاعات «البنتاغون»


ولا يزال يتردّد صدى عملية «طوفان الأقصى»، التي جعلت إسرائيل تبدو «بلداً ضعيفاً إلى حدّ كبير»، في قاعات «البنتاغون» والمؤسّسات العسكرية الأخرى في عدد من الدول، إذ يشعر الخبراء العسكريون، وفقاً لما جاء في تقرير نشرته مجلّة «نيوزويك» الأميركية، بالقلق إزاء ما يَعتبره البعض «اعتماداً مفرطاً» على أمن التكنولوجيا الفائقة للحفاظ على المنشآت والأوطان في مأمن من الهجمات، متسائيلن عن «الخراب الذي يمكن أن تُحدثه روسيا أو الصين أو أيّ خصم متقدّم آخر؟»، إذا كان الأمن الإسرائيلي لا يستطيع حماية إسرائيل من «منظّمة إرهابية ذات تقنيات منخفضة نسبياً» مثل «حماس». وفي هذا الإطار، تقول إيمي نيلسون، الباحثة في السياسة الخارجية في معهد «بروكينغز»، إن الدروس التي على «البنتاغون» تعلُّمها «كبيرة جداً»، مضيفةً: «الدول التي لديها أهمّ دفاعات تقنية وأحدث الجيوش لن تكسب المعركة بالضرورة. لا يزال في إمكان الهجمات المفاجئة العبور». وقد جعل ذلك المسؤولين العسكريين والأمنيين «ينكبّون» على دراسة أداء إسرائيل «الكارثي» في ثلاثة مجالات أساسية: صدّ المتسلّلين، ردع الصواريخ، والتنصّت على الأعداء.

فشل في «ردع» إيران وحلفائها
يقرّ مراقبون في تقرير منفصل نشرته «فورين أفيرز»، بأن القوات الإضافية التي أرسلتها واشنطن إلى الشرق الأوسط والضربات التي شنّتها على «أعضاء في الميليشيات» المدعومة من إيران لم تحقّقا نجاحاً كبيراً في «ردع خصوم الولايات المتحدة»، بل إن هجمات هؤلاء ازدادت «وقاحةً». ويتابعون أنّه رغم عدم رغبة «إيران ووكلائها» في شنّ حرب إقليمية قد «تضرّ بهم»، إلا أنّ هذه الحسابات قد تتغيّر، ولا سيما في حال تصاعُد «عدد القتلى الفلسطينيين»، أو محاولة إسرائيل احتلال قطاع غزة، ما يجعل تواجد القوات والأسلحة الأميركية عاملاً في زيادة مخاطر حصول «سوء تقدير»، بدلاً من تحقيق مهمّته الأساسية المتمثّلة في منع توسّع رقعة الحرب.
وبناءً على ما تقدَّم، يحذّر التقرير من أنّ الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، والموجات المعادية لواشنطن «التي تجتاح العالم العربي»، والاختلاف الحقيقي والكبير بين الحكومات العربية والولايات المتحدة حول «محاسبة» إسرائيل بسبب «حملتها على غزة»، تخاطر بتآكل «الأساس المتين» للتعاون الأمني العربي - الأميركي، في وقت يصبح فيه الوجود العسكري - الأميركي في الشرق الأوسط «أكثر وضوحاً وإثارة للجدل». ويختم أصحاب هذا الرأي بالإشارة إلى أن إستراتيجية واشنطن الأمنية في المنطقة «فشلت في جعل الأخيرة آمنة في السابق»، مذكّرين بأن «سنوات من المساعدة الأمنية الأميركية غير المشروطة لشركائها»، أسهمت في جعل بعض الأنظمة العربية تنتهج أساليب «قوّضت بشدّة الاستقرار الإقليمي وحقوق الإنسان»، كما حصل في اليمن وليببا مثلاً.
وبصورة أعمّ، فقد أصبحت توصيات الخبراء تتركّز، أخيراً، على أن سياسة واشنطن الشرق أوسطية في حاجة ماسّة إلى «تصحيح مسارها»، وهو ما كان ضرورياً قبل عملية 7 تشرين الأول، إلّا أنه أصبح «أكثر إلحاحاً بعدها»، في ظلّ غياب أيّ مؤشرات إلى نيّة إدارة بايدن القيام بأيّ تعديلات قصيرة أو طويلة الأجل، بهدف «معالجة إخفاقات الإستراتيجية الحالية ومخاطرها». كما يدعو هؤلاء الولايات المتحدة «أولاً وقبل كل شيء» إلى العمل على سحب القوات التي سارعت إلى إرسالها إلى الشرق الأوسط، وتقليص حجم الوجود العسكري الأميركي في المنطقة «وإعادة تنظيمه إلى حدّ كبير». وتشمل النصائح ضرورة أن «تسحب واشنطن يدها» من «أزمات» المنطقة، وأيضاً الاستثمارَ في بناء قدرات شركائها الإقليميين في المنطقة وجعلها أكثر مرونة، حتى يتمكّن هؤلاء من العمل معاً بشكل أكثر فعالية «للحفاظ على الاستقرار وإدارة التحديات الأمنية، بدعم أقلّ من الولايات المتحدة»، عسى أن تتفرّغ الأخيرة لـ«التزاماتها» الكثيرة الأخرى، على غرار تسليح أوكرانيا، وحماية حلفائها في منطقة المحيطَين «الهندي والهادئ».