للمرة الرابعة في أسبوع واحد، عمدت الولايات المتحدة إلى إرجاء التصويت في «مجلس الأمن الدولى»، على القرار المتعلق بـ«تعليق» القتال في قطاع غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية إليه، مدّعيةً، هذه المرة، أنّه «ما من مشروع قرار ليتم التصويت عليه في الوقت الحالي»، طبقاً لتصريحات صدرت، ليل أمس، عن البيت الأبيض، وأنّ واشنطن تريد «استئناف المفاوضات» مع أعضاء آخرين في المجلس، لإيجاد «صيغة ملائمة» لهذا المشروع. على أنّ التصريحات الأميركية تبدو منافيةً للواقع، بالنظر إلى أنّ المشروع موجود بالفعل، وقد تمّ تعديله أكثر من مرة، خلال الأيام الماضية، لينال «الرضى الأميركي». لكنّ الولايات المتحدة تستمر في «المماطلة»، متذرعةً، في كل مرة، بحجج واهية، فيما يبقى هدفها الرئيس، على الأرجح، شراء المزيد من الوقت، بغية تحقيق الظروف الملائمة للتوصل إلى الهدنة «المطوّلة» التي تدفع في اتجاهها. وفي أعقاب معلومات أوردها كبير مراسلي موقع «هافينغتون بوست» الأميركي، قبل يوم من انعقاد الجلسة التي عُيّن موعدها الجديد صباح الخميس، بالتوقيت المحلي لواشنطن، نقلاً عن مصدر دبلوماسي، عن أن بايدن كان قد أصدر تعليماته إلى البعثة الأميركية لدى «الأمم المتحدة» باستخدام حق النقض ضدّ القرار المتعلق بغزة، في جلسة أمس، معرباً عن تخوفه من أنّ هذه الخطوة ستوجّه «ضربة قوية» إلى ما تحاول واشنطن إظهاره من «حسن نية» في ملف غزة، جنباً إلى جنب الإضرار «بملايين المدنيين هناك ومَن يريدون مساعدتهم»، يبدو أن واشنطن اختارت، على الأرجح، تجنيب نفسها المزيد من «الإحراج» والمعارضة اللذين يسببهما لها دعمها لإسرائيل على الساحة العالمية، من خلال التعامل مع القرار الذي كانت قد تقدّمت به الإمارات، على أنّه «غير موجود» أصلاً، بذريعة استكمال المفاوضات الجارية منذ أيام بالفعل.وفي السياق، تؤكد «المناورات» الأميركية الأخيرة التي منعت «مجلس الأمن»، طوال الأسبوع الماضي، من اتخاذ قرار حول الملف الفلسطيني، أنّ استعمال «الفيتو» بشكل علني ضدّ القرارات المتعلقة بوقف العدوان على قطاع غزة، أو على الأقل، الحد من تبعاته، لم يعد خياراً سهلاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي تستمر في تكبّد «أثمان» داخلية وخارجية، على خلفية دعمها لإسرائيل، ولا سيما أنها استعملت حق النقض مرتين منذ بدء الحرب. وقد دفع ذلك بها، في الفترة المنصرمة، إلى أخذ المجلس «رهينة»، بذريعة إعطاء مزيد من الوقت «للمفاوضات الجارية بينها وبين مصر ودول أخرى»، وتحديداً في ما يتعلق بآلية مراقبة المساعدات التي من المفترض أن تدخل إلى القطاع بموجب أي قرار يوافق عليه المجلس مستقبلاً. في الواقع، ونزولاً عند رغبة واشنطن، تمّ، الثلاثاء، تعديل مشروع القرار الذي صاغته الإمارات، من خلال استبدال الدعوة إلى «(وقف) عاجل ومستدام للأعمال العدائية»، بدعوة إلى «(تعليق) عاجل للأعمال العدائية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومن دون عوائق، واتخاذ خطوات عاجلة نحو وقف مستدام للأعمال العدائية». وبعدما بدا أن القرار سينال الموافقة الأميركية، أثارت واشنطن «اعتراضات» جديدة، هذه المرة حول تجاهل الدور الذي يجب أن «تؤديه إسرائيل» في مراقبة المساعدات التي ستدخل إلى القطاع، وحصره بـ«الأمم المتحدة»، جنباً إلى جنب مع «عدم إدانة (حماس)»، في تكرار للذريعة الأميركية نفسها منذ بداية الحرب.
اختارت واشنطن تجنيب نفسها المزيد من «الإحراج» من خلال التعامل مع القرار على أنّه «غير موجود» أصلاً


وبصورة أعم، لا تزال واشنطن تحاول تجنّب إلحاق أي ضرر مباشر بـ«المجهود الحربي» الإسرائيلي، وتعارض أي محاولة لوقف شامل لإطلاق النار، ساعيةً، في المقابل، إلى «إطالة أمد» الحرب في غزة، من خلال المطالبة، بشكل علني، باستمرارها، إنما مع جعلها أكثر «استهدافاً وتوجيهاً»، وأقل «كثافة». وهذا ما يفسر، على الأرجح، انخراط واشنطن الأخير في حراك دبلوماسي يهدف إلى إبرام صفقة تبادل أسرى جديدة، مقابل هدنة «مطوّلة»، يتم الانتقال، في أعقابها، إلى مرحلة «مختلفة كلياً» من الحرب. وقد كثر الحديث عن هذه المرحلة، «والشكل» الذي قد تتخذه، في أعقاب لقاء مدير «وكالة المخابرات المركزية»، وليام بيرنز، الإثنين، برئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس «الموساد»، ديفيد برنياع، في وارسو، لمناقشة صفقة محتملة بين دولة الاحتلال «وحماس». وفيما تتمسّك المقاومة بضرورة وقف جميع الأعمال العدائية بشكل كامل، قبل القبول بأي صفقة، فإنّ واشنطن تدرك أنّ مثل هذا الخيار سيشكّل «انتصاراً» لـ«حماس»، في وقت لا تزال فيه العديد من الملفات في الشرق الأوسط «تؤرق» واشنطن، من بينها كيفية «التعامل» مع المقاومة في العراق واليمن مستقبلاً. وبالحديث عن قوات صنعاء، فإنّ بعض المراقبين يتحدثون، في إشارة إلى «العجز الأميركي» عن التصدي، فعلياً، للهجمات القادمة من اليمن، عن أنّ تزامُن تشكيل تحالف بحري لمواجهة هذه الهجمات، مع حديث واشنطن عن صفقة مطوّلة وتبادل للأسرى»، يندرج في إطار سياسة أميركية «قديمة - جديدة»، تهدف إلى التغطية على «الفشل العسكري المتوقّع لتحالفها، من خلال اللجوء إلى السياسة». بمعنى آخر، فإنّ واشنطن، ونزولاً عند الضغوط الخارجية والداخلية، كانت بحاجة إلى اتخاذ خطوة تحفظ «ماء وجهها» في البحر الأحمر، فيما هي تدفع، بيدٍ أخرى، في اتجاه هدنة مؤقتة، تجنّبها «أي مواجهة فعلية مع قوات صنعاء» هناك، وتُمكنها من الإيحاء بأنّ «تحالفها العسكري» الأخير، قد «نجح في تهدئة الأوضاع» في المنطقة.