بينما كان وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، يزور العاصمة الإيرانية طهران للمشاركة في مؤتمر تشاوري حول فلسطين، زاد العدو من إشعال المنطقة عبر استهداف منزل أحد أكبر مستشاري «الحرس الثوري الإيراني» في سوريا، الجنرال رضي موسوي، متسبّباً باستشهاده، الأمر الذي توعّدت على إثره طهران بـ«رد ثأري مزلزل». وأتى ذلك بالتزامن مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي ارتفعت وتيرتها منذ السابع من تشرين الأول الماضي، بعد عملية «طوفان الأقصى» التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية، وبدأت إثرها إسرائيل حرب إبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة. وتسبّبت تلك الاعتداءات بخروج مطارَي حلب ودمشق عن الخدمة. كما تعرّضت منظومات الإنذار المبكر وبطاريات للدفاع الجوي لهجمات عديدة، ضمن محاولة إسرائيل تحييدها، علماً أن منظومة الدفاع الجوي السورية تلقّت، خلال الحرب المندلعة منذ عام 2011، هجمات منظّمة نفّذتها الفصائل، تسبّبت بتعطل بعضها. كما أن خروج مناطق عديدة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد عن سيطرة الحكومة السورية أعاق استعادة الدفاعات الجوية الانتشار المناسب على الأرض، ما أدّى إلى وجود ثغرات فيها. ويضاف إلى ذلك، اتّباع إسرائيل تكتيكات تعتمد إطلاق دفعات كبيرة من الصواريخ بشكل يفوق قدرات الدفاع الجوي التي تسقط معظم الصواريخ، في وقت يصل فيه بعضها إلى أهدافه. والجدير ذكره، هنا، أن الهجمات الإسرائيلية تتم من خارج الأجواء السورية منذ عام 2018، عندما أسقطت الدفاعات الجوية طائرة «F16» اخترقت المجال الجوي السوري.ويأتي اغتيال الجنرال موسوي، والذي يُعتبر ثاني عملية تستهدف قيادياً كبيراً في «الحرس الثوري الإيراني» بعد اغتيال الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني في العراق، بالتزامن مع ارتفاع حدّة التصعيد الميداني في سوريا على جبهات مختلفة، أبرزها العمليات التي تنفذها المقاومة ضدّ القواعد الأميركية غير الشرعية في الشمال الشرقي، وجنوبي البلاد. وفي السياق، تعرّضت القاعدة الأميركية في الشدادي، جنوبي الحسكة، لاستهداف بالصواريخ، بالتزامن مع تدريبات كانت تجريها القوات الأميركية هناك. وسرت أنباء عن وقوع إصابات في صفوف الجيش الأميركي الذي ردّ بإطلاق قذيفة سقطت على أحد المنازل في الحي الشمالي للشدادي، وتسبّبت بوفاة رجل وإصابة ثلاثة من أفراد عائلته، وفق ما أكّدته مصادر ميدانية.
وعقب استشهاد الجنرال موسوي، كثّفت إسرائيل طلعات طائرات الاستطلاع على طول الشريط الفاصل بين المناطق السورية والمناطق المحتلة في الجولان السوري. كما سُجلت عمليات رصد ومتابعة في عمق الأراضي السورية، حيث رصد ناشطون عسكريون تحركات مكثّفة لطائرة الاستخبارات الإلكترونية والمراقبة الجوية «نحشون أورون 452» من «السرب 12»، فوق البحر المتوسط، طاولت جنوب ووسط سوريا ومحيط دمشق. كما حلّق تشكيل من الطيران الحربي الإسرائيلي على طول الساحل اللبناني وفي محيط بيروت وفوق الجليل.
أيضاً، يأتي التصعيد الإسرائيلي الجديد بعد أيام قليلة من تحذيرات مكثّفة أطلقتها موسكو من خطورة جرّ سوريا إلى مواجهة إقليمية واسعة النطاق على خلفية الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. وقال النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى «الأمم المتحدة»، دميتري بوليانسكي، إن «التصعيد في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، غير المسبوق من حيث عدد الضحايا، يثير توتراً إضافياً في سوريا الصديقة، على خلفية العملية الدموية الإسرائيلية في قطاع غزة والغارات المستمرة في الضفة الغربية». وأضاف بوليانسكي، خلال جلسة خاصة حول سوريا في مجلس الأمن، أن «الهجمات المتزايدة من قبل سلاح الجو الإسرائيلي على أهداف سورية، بالإضافة إلى تزايد تبادل الضربات على الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل، كل ذلك يهدد بجرّ سوريا إلى مواجهة إقليمية واسعة النطاق، ولا يمكن السماح بذلك بأيّ شكل من الأشكال». ويشار إلى أن مجلس الأمن مدّد ولاية قوة «الأمم المتحدة» لمراقبة فضّ الاشتباك بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي (أندوف - UNDOF) في الجولان المحتل لمدة ستة أشهر، حتى حزيران 2024، داعياً، في قرار التمديد، الطرفين إلى «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ومنع أيّ انتهاكات لوقف إطلاق النار والمنطقة الفاصلة، كما شجّعهما على الاستفادة الكاملة من وظيفة الاتصال التي تقوم بها قوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك بشكل منتظم لمعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك».
تتابع فصائل «جهادية» تابعة لـ«الهيئة» محاولة إشعال جبهات القتال مع الجيش السوري عبر تنفيذ هجمات متواترة


وفي اجتماع مجلس الأمن حول سوريا، اعتبر المبعوث الأممي، غير بيدرسن، عام 2023 «عاماً مأساوياً جديداً يمر على السوريين»، بعد فشله في تحقيق أي تقدم في الحل السياسي وفق مسار «اللجنة الدستورية» المعطّل، والذي يدور حديثه عن إمكانية استئنافه خلال الشهر المقبل، ما لم تظهر عوائق جديدة. والجدير ذكره، هنا، أن هذا المسار يحظى بدعم عربي في إطار «المبادرة العربية» التي أبصرت النور بعد استعادة دمشق مقعدها المجمّد في «الجامعة العربية»، وعودة العلاقات السورية مع دول عربية عديدة، على رأسها السعودية التي استقبلت السفير السوري الجديد أيمن سوسان، واستقبلت أيضاً وزير الأوقاف السوري، عبد الستار السيد، الذي زارها تلبية لدعوة نظيره وزير «الشؤون الإسلامية» السعودي، عبد اللطيف آل الشيخ.
وفي خلال الإحاطة التي قدّمها المبعوث الأممي، وجّه نداء إلى «الجهات المانحة» لتأمين احتياجات مشاريع المنظمات الإنسانية والإغاثية والتي توقّف معظمها على خلفية عدم وجود تمويل كافٍ، الأمر الذي وضع مصير آلاف العائلات السورية الموجودة قرب الحدود التركية أمام مصير مجهول، في ظل تحكّم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا) بموارد الحياة في إدلب، واستمرار النزاع الفصائلي بين الفصائل المنتشرة في ريف حلب. وبالتوازي، لا تزال المعابر التي تصل مناطق سيطرة الحكومة السورية مع تلك المناطق مغلقة، وهو ما يعيق عودة العائلات إلى منازلها، في وقت تشتد فيه حالة الفوضى في الشمال السوري على خلفية محاولة «هيئة تحرير الشام» توسيع نطاق نفوذها، وشنّها هجمات ثأرية إثر هروب مسؤولها المالي، جهاد عيسى الشيخ، الملقّب بـ«أبو أحمد زكور»، بسبب محاولة زعيم «الهيئة»، أبي محمد الجولاني، التخلّص منه في إطار عملية إعادة هيكلة واسعة أطاحت عدداً كبيراً من أبرز مساعدي الجولاني.
وفي ظلّ الفوضى التي يشهدها ريف حلب الشمالي، حيث أغلقت تركيا المعابر التي تصل إدلب بريف حلب ومنعت المرور في الاتجاهين، باستثناء ناقلات المشتقّات النفطية وبعض السلع التجارية، تواصل فصائل «جهادية» تابعة لـ«الهيئة» محاولة إشعال جبهات القتال مع الجيش السوري، عبر تنفيذ هجمات متواترة باستخدام «الانغماسيين» القذائف والطائرات المُسيّرة. وفي المقابل، أعلنت وزارة الدفاع السورية إسقاط وتدمير ثماني طائرات مُسيّرة في ريفَي حلب وإدلب، حاولت شنّ هجمات على المواقع التي تسيطر عليها الحكومة السورية. أما في الشمال الشرقي من البلاد، فتتابع تركيا تنفيذ هجمات باستخدام الطائرات المُسيّرة ضد مواقع تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية الكردية (قسد) المدعومة أميركياً، حيث تسبّبت هجمات نفّذتها أول من أمس، وطاولت ستة مواقع، بمقتل وإصابة نحو ثلاثين شخصاً، قالت «قسد» إن جميعهم من المدنيين، مضيفةً، في بيان، أن من المواقع المستهدفة «معمل أوكسيجين في القامشلي تدعمه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية». كذلك، تعرّضت نقاط عسكرية تابعة لـ«قسد» على ضفاف الفرات في بلدات الجرذي وأبو حردوب وجمه في ريف دير الزور الشرقي، لهجوم نفّذته العشائر بالأسلحة الرشاشة. كما تعرّضت نقطة تفتيش في ناحية الصور لهجوم بالقذائف، واعترض مسلحون سيارة عسكرية تقلّ مقاتلين أكراداً وفتحوا النار عليها، على الطريق العام في بلدة الطيانة في ريف دير الزور الشرقي.