وإلى جانب المسلط، تمّ تعيين القيادية في حزب «العمال الكردستاني»، ليلى قره مان، في الرئاسة المشتركة، ما يضمن، في ما يبدو، ضبط وحدة صف المقاتلين الأكراد الذين ينتمون في معظمهم إلى أفكار هذا الحزب، ويشكل غطاء سياسياً ملائماً لمشروع «فيدرالية كردية» تحاول الولايات المتحدة تسريع خطواته على الأرض، ولا سيما عبر تأكيدها استمرار وجود قواتها غير الشرعية في سوريا، وبالتالي تقديم حماية وحصانة لهذا المشروع. وفي الاتجاه نفسه، سرّبت مصادر سوريّة معارضة تنشط في الولايات المتحدة، تفاصيل «عقد» تمّ توقيعه، بإشراف مباشر من الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي إدوارد رويس، بين «مسد» و شركة «Brownstein Hyatt Farber Schreck, LLP»، وهي شركة مختصّة في المحاماة والعلاقات العامة تقدّم خدمات عديدة، أبرزها «تثقيف صانعي السياسات في الكونغرس والإدارة الأميركية بأن مشروع الإدارة الذاتية في سوريا، هو أفضل حل لتحقيق الهزيمة الدائمة للإرهاب وطريق لحل دائم للأزمة السورية».
بدا لافتاً تركيز الهيكلية الجديدة على بناء علاقات دولية متعدّدة الأطراف، بما فيها علاقات مع الدول العربية
وخلال مؤتمر «مسد»، شنّ قائد «قسد»، مظلوم عبدي، هجوماً على المعارضة السورية التي تنشط من تركيا، واتّهمها بالفشل في تحقيق أي خرق سياسي بسبب ارتباطها بـ«أجندة خارجية». واعتبر أن مشروع «الإدارة الذاتية» هو «مشروع وطني»، قائلاً إن «الائتلاف لا يمتلك أي برامج، وقد أصبح خارج المعادلة، باعتبار أنه مرتبط بأجندة خارجية (...) المعارضة التابعة للخارج فشلت في إيجاد أي حل للأزمة السورية، حيث تركت الساحة للمجموعات الإرهابية والراديكالية، فكان لا بد من ظهور المعارضة الحقيقية، ما دفع إلى تأسيس مجلس سوريا الديموقراطية».
وضمن الهيكلة الجديدة التي تبدو واسعة النطاق هذه المرة، بدا لافتاً التركيز على بناء علاقات دولية متعددة الأطراف، بما فيها مع الدول العربية إن أمكن، الأمر الذي اعتبرته مصادر كردية، تحدّثت إلى «الأخبار»، جزءاً من محاولات متكررة يجرّبها الأكراد، بين وقت وآخر، سعياً لترسيخ حضورهم بحكم الأمر الواقع، ما يعني في المحصّلة الانتقال من حالة العداء للمشروع الكردي الانفصالي في سوريا إلى حالة تعاون لا مفرّ منه، وخصوصاً أن هذا المشروع يحظى بدعم أميركي مستمر. والجدير ذكره، هنا، أن القوى الدولية، بما فيها الولايات المتحدة، تستبعد الأكراد من مسار الحل السياسي للأزمة السورية، حيث لا يوجد أي تمثيل لـ«قسد» في اللجنة الدستورية، ويقتصر حضور الأكراد على تمثيل «المجلس الوطني الكردي»، وهو تجمّع لعدد من الأحزاب الكردية الصغيرة المدعومة من تركيا وإقليم «كردستان». وفي المقابل، تقدّم واشنطن كل الدعم الممكن لتثبيت أركان «إدارة» خاصة يقودها «حزب الاتحاد الديموقراطي» على مناطق في الشمال الشرقي من سوريا، تضمّ منابع النفط الذي يتمّ استخراجه وتهريبه برعاية أميركية إلى إقليم «كردستان»، وإلى مناطق سيطرة الفصائل في الشمال السوري، حيث تحتكر «هيئة تحرير الشام» سوق النفط في تلك المناطق.
وبينما تعمل الرئاسة المشتركة الجديدة لـ«مسد» على استكمال عملية إعادة الهيكلة، عبر تشكيل مجلس عام، وفق توازنات تؤدي إلى تهدئة الأوضاع الداخلية في مناطق «الإدارة الذاتية»، كثّفت تركيا عمليات قصفها المواقع الكردية، حيث بلغ عدد الأهداف التي تمّ ضربها خلال يوم واحد 50 موقعاً، وفق ما أوردته وكالة «الأناضول» التركية نقلاً عن «جهاز الاستخبارات التركية» (MIT). وأوضح الجهاز أن هذه الأهداف هي من ضمن بنك محدد يشمل «بنى تحتيّة لحزب العمال الكردستاني»، علماً أن الهجمات الأخيرة أدّت إلى مقتل وإصابة العشرات، الذين قالت «قسد» إن جميعهم من المدنيين. كما توعّدت تركيا، قبل أيام، باستمرار عملها على استهداف القوى الكردية في إطار «محاربة الإرهاب».
وفي المقابل، تواجه دمشق وحلفاؤها الإصرار الأميركي على دعم المشروع الانفصالي الكردي، بالتأكيد المستمر على وحدة الأراضي السورية. كما تعتبر الحكومة السورية الوجود الأميركي غير الشرعي في سوريا أحد أسباب استمرار الأزمة. ولذا، فشلت مفاوضات عديدة بينها وبين «قسد»، بعد رفض الأخيرة مناقشة أي أفكار لا تتضمّن حل «الإدارة الذاتية»، الأمر الذي يجعل مصير هذه الإدارة مرتبطاً بالدرجة الأولى بالوجود الأميركي، وهي النقطة التي يتمحور حولها الجزء الأكبر من نشاط «مسد».