بدا واضحاً الاهتمام الإسرائيلي الخاص بعملية اغتيال الضابط في «الحرس الثوري»، العميد سيد رضي موسوي، في دمشق، وإن لم يخرج عن نطاق الرقابة المشدّدة المفروضة على وسائل الإعلام في هذه المرحلة، تحت شعارات تتّصل بالأمن القومي الإسرائيلي. وتنبع خصوصية الحدث من كونه، من منظور إسرائيلي، «أحد أهمّ التطورات في الحرب حتى الآن»، وفقاً لما وصفته به صحيفة «هآرتس»، فضلاً عن أنه ينطوي على دلالات ورسائل عديدة، ربطاً بأكثر من ساحة وعنوان. وبعيداً من حملات التشويش التي انطلقت في بعض وسائل الإعلام العربية ووسائل التواصل الاجتماعي، والهادفة إلى حرف الأنظار عن الجوانب الأكثر أهمية كونها تدين أصحاب تلك الوسائل والحسابات وتكشف خذلانهم للشعب الفلسطيني ومقاومته، تتقدّم الأسئلة حول سياقات الاغتيال، وعلاقته بدعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين والمنطقة، وما إن كان سيُفلح في ثني إيران عن خياراتها الإستراتيجية، علماً أن سوابقه لم تنجح في ذلك.يعدّ موسوي شخصية قيادية كان لها دور رئيس في مراكمة قوة المقاومة في لبنان وسوريا؛ وبالتالي، من الطبيعي أن يكون على مهداف العدو، في إطار إستراتيجية الأخير الهادفة إلى تصفية عناصر تلك القوة. كما يأتي الاغتيال في إطار الحرب المستمرّة بين إسرائيل وإيران، على خلفية موقف الأخيرة من فلسطين ودعمها المقاومة، فيما لا يمكن فصل توقيته عن سياق الحدث الذي تشهده المنطقة. إذ إن ضربات من هذا النوع تحتاج إلى تقدير يأخذ في الحسبان طبيعة الهدف، والرسائل الكامنة من وراء ضربه، والموجبات التي تدفع نحوه، والنتائج التي يمكن أن تترتّب عليه. ولذلك، فإن اغتيال موسوي ليس مردّه مجرّد توافر فرصة ميدانية، وإنّما هو مرتبط بالسياق الإقليمي، في ما عبّرت عنه صحيفة «هآرتس» بأن العملية أتت «على خلفية الهجمات المتصاعدة للحوثيّين في اليمن على النقل البحري في البحر الأحمر، إلى جانب مهاجمة سفن مرتبطة بإسرائيل في المحيط الهندي، واستمرار حزب الله في إطلاق قذائف مضادة للدروع بشكل مكثف من لبنان».
يعدّ موسوي شخصية قيادية كان لها دور رئيس في مراكمة قوة المقاومة في لبنان وسوريا


من هذه الزاوية، يشكل الاغتيال ترجمة لقرار إسرائيلي بالردّ على من يؤمن الإمكانات والقدرات لقوى المقاومة، وعدم الاكتفاء بتلقّي الضربات من «حلفاء إيران» والردّ عليهم، وإنّما أيضاً جبي أثمان منهم. إذ ثمّة اعتقاد في دولة الاحتلال بأن «إسهام إيران في المعركة بارز»، وبأن هناك خطوطاً حمراء قد تمّ كسرها، وينبغي إزاءها تجاوز المعادلة التقليدية عبر إشعار طهران أنها «لن تتمكّن من التمتّع بحصانة فيما هي تبادر وتموّل أذرعها». كما أرادت إسرائيل القول إنه لم يعُد مقبولاً أن تبقى إيران خارج إطار الردّ، فيما الساحات كلّها مشتعلة في وجه الأولى، بتحريك من قِبل حلفاء الأخيرة. وبهذا المعنى، تندرج العملية ضمن تداعيات الحرب على غزة، وتشكّل امتداداً لديناميات المواجهة التي تشهدها المنطقة. إلّا أن السؤال الأكثر خطورة يظلّ حول ما إن كان استمرار الضربات التي تتعرّض لها دولة الاحتلال من قِبل «أنصار الله» و«حزب الله»، سيدفعها إلى المزيد من العمليات المشابهة، في محاولة لإرساء معادلة مضادة.
في هذا السياق، يحضر العامل الأميركي الذي من المستبعد جدّاً أن يكون العدو قد بادر إلى هذه الخطوة من دون التشاور معه وأخذ موافقته، وخاصة أن الولايات المتحدة تشارك في إدارة الحرب والإشراف عليها. إلّا أن إدارة جو بايدن تدرك أن مصلحة إسرائيل في المرحلة الحالية، وليس بنيامين نتنياهو فقط، تكمن في توريط الولايات المتحدة في حرب ضدّ أعدائها في المنطقة. وفي المقابل، يدرك الإيرانيون وحلفاؤهم في محور المقاومة أن الولايات المتحدة معنيّة بتجنّب ذلك السيناريو، أقلّه إلى الآن. وفي ضوء ما تَقدّم، يعمل كلّ من الطرفين على استغلال المخاطر الماثلة من أجل كبح الطرف المقابل، ومنعه من مواصلة الخيار الذي ينتهجه. وانطلاقاً من خريطة التقاطع والتباين بين المحورين في ساحات المواجهة، يُرجّح أن تُتّخذ المزيد من الخطوات العمليّاتية على حافة التدحرج إلى صدام أوسع وأشدّ، من دون أن تتجاوز حتى الساعة، دينامية مضبوطة وان كانت تصاعدية، علماً أن الهدف الاستراتيجي لمحور المقاومة في المسار التصاعدي المستمرّ راهناً، يتمثّل في إسقاط أهداف الحرب الإسرائيلية - الأميركية على قطاع غزة، والتي تطال تداعياتها المنطقة بأكملها.