غزة | تركت أيام الهدنة المؤقّتة السبعة، ندوباً عميقة في وعي الشارع الغزاوي؛ إذ عاد جيش الاحتلال منها أكثر دموية وشراسة، ووسّع عقبها نطاق عملياته البرية، مهجّراً مئات الآلاف من المواطنين من مناطق نزوحهم عدّة مرات. اليوم، وعلى وقع الحراك السياسي الدائر في القاهرة والدوحة، يترقب الغزيون بعطش شديد الأخبار التي تتحدث عن قرب التوصل إلى اتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار، لا سيما في ظلّ تضاعف حدة الأزمات الإنسانية، وتحديداً في شمال غزة. أحمد قدرة، هو نازح من منطقة الجرن في منطقة جباليا البلد إلى مخيم جباليا، أوقف مراسل «الأخبار» في الشارع، قائلاً: «بالله عليك توصل رسالتنا، احنا بنموت من الجوع والأمراض صحيح، ولكن لازم الكل يفهم إنا ما بدنا وقف مؤقت لإطلاق النار. الهدنة المؤقتة شفنا بعدها العذاب ألوان. احنا بدنا وقف كامل وشامل للحرب والسماح للناس بالعودة من الجنوب إلى الشمال».والواقع أن ثمة إجماعاً على هذا الموقف؛ إذ إن الجميع يشعر بأنه لا طاقة متبقية لمنح العدو متّسعاً لمراجعة خططه ثمّ تطويرها على شاكلة أكثر دموية، ولا طاقة أيضاً لبناء أمل كاذب في أيام الهدوء في أن الحرب انتهت. الحاجة أم عماد، وهي أم لثلاثة شهداء، وقضى من عائلتها أكثر من ثلاثين شهيداً، التقتها «الأخبار» في مركز الإيواء في مستشفى «اليمن السعيد». بدأت حديثها بالقول: «يا بنية، قال القيادات في مصر بتتفق على هدنة... قولولهم الناس ما بدها غير إنها تقف الحرب ع الآخر، بدنا ندفن ولادنا إلي تحت البيوت، بدنا نشوف مين عايش ومين مات من أهلنا». أمّا محمود أبو مريم، هو معلم حكومي استطلعنا رأيه عن اشتراط المقاومة وقفاً كاملاً للحرب وانسحاب الدبابات قبل الحديث عن أيّ صفقة تبادل، فيرى أنّ إسرائيل تعيش ضغطاً داخلياً في قضية الجنود والمستوطنين الأسرى، وأن استعادة هؤلاء بالتفاوض أضحت أولوية لدى نتنياهو بعدما فشل في استعادتهم عسكرياً، مستدركاً بأن «التفريط بورقة الأسرى يعني إطلاق يد جيش العدو لمضاعفة قتلنا، يعني مزيداً من القتل والإبادة من دون أيّ حسابات أو اعتبارات... فلتتمسّك فصائل المقاومة بموقفها الجامع بعدم التفاوض تحت النار».
لا طاقة متبقية لمنح العدو متّسعاً لمراجعة خططه ثمّ تطويرها على شاكلة أكثر دموية


في الشارع أيضاً، تحضر قضية عودة سكان الشمال الذين نزحوا إلى الجنوب، حيث ثمة خشية من أن تتحول هذه القضية إلى واقع مستدام أو ورقة ابتزاز بعيدة المدى. لذا، يكثر الحديث عن السقف المتوقع لعودتهم. تسألنا أم ياسر، وهي أم لعائلة مكونة من سبعة أفراد، نزحوا جميعاً إلى جنوب وادي غزة، بينما آثرت هي البقاء إلى جانب زوجها الذي أقسم بكلّ الكتب السماوية أن الموت أهون عليه من الهجرة والذل: «رح يسمحولهم يرجعوا... متى؟». وتقول: «احنا مطلبنا إنو يرجع أهلنا من خانيونس ورفح على بيوتهم، حتى لو البيوت مهدومة بنعيش بخيمة، ومن دون هيك ما فيه قيمة لأي اتفاق وقف إطلاق نار».
مساء الخميس الماضي، وضع المتحدث باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، النقاط على الحروف: «لا تفاوض تحت النار، ولا هدنة مؤقتة» في مراكز الإيواء. كان يمكنك أن ترى ألف مسيح مصلوب وغارق بدمائه، ولكنّه علّق على الخطاب بقوله: «ينصر دينك... هيك صح».