ما إن شعر القادة السياسيون الإسرائيليون بأن الحرب على قطاع غزة اقتربت من استنفاد دينامياتها، حتى طفَت خلافاتهم الداخلية على السطح، وسيطرت على اهتمام المستوى السياسي ووسائل الإعلام. ولم يمنع وجود المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، عاموس هوكشتين، في الأراضي المحتلة، أولئك القادة من تراشق الاتهامات والدخول في المزايدات السياسية. ورغم أن جزءاً كبيراً من تلك الخلافات لا علاقة له بالحرب، إلا أن هذه الأخيرة ومساراتها ونتائجها المحتملة، شكّلت مادة دسمة للتنازع، حتى ضمن الائتلاف الواحد.وفي آخر فصول هذا التجاذب، «اشتعلت» بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه يوآف غالانت، بعدما منع الأول، الثاني، بحسب «القناة 12» العبرية، «من عقد لقاء مع رئيسَي الشاباك والموساد بشأن صفقة حول الأسرى». وعلى خلفية ذلك، اتّهم غالانت، نتنياهو، خلال مكالمة وُصفت بـ«الصعبة»، «بأنه يلحق الضرر بأمن إسرائيل». هكذا، بات واضحاً أن رئيس الحكومة فقد الثقة بكل من حوله تقريباً، وأنه يدفع في اتجاه التحكّم بمسارات الأمور وحده، من دون أي تدخّل من الوزراء، حتى وإن كانوا من فريقه السياسي، أو من «كابينت الحرب». والجدير ذكره، هنا، أن العلاقة بين نتنياهو وغالانت شهدت توتراً شديداً منذ ما قبل الحرب، حتى وصل الأمر بالأول إلى التلويح بعزل الأخير، قبل أن يتراجع عن ذلك، فيما تُستحضر اليوم الخلافات «القديمة» في سياق التجاذب حول الحرب وتبعاتها.
وكان غالانت عرض خطّته لـ«اليوم التالي» في قطاع غزة، والتي لا تزال بحاجة إلى موافقة «مجلس الحرب» و«الكابينت الأمني والسياسي»، بحسب وسائل الإعلام العبرية. وتحدّث غالانت عمّا سماه «مربّعاً مدنياً» سيحكم القطاع بعد الحرب، يتكوّن من إسرائيل ومصر والولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية وجِهات فلسطينية. وبحسب الخطة، يكون توزّع الأدوار كالآتي:
- إسرائيل تتولّى الإشراف الأمني والتوجيه، وتحافظ على حرية العمل العسكري في غزة.
- مصر تتولّى مراقبة وفحص ما يدخل إلى القطاع، وتتعاون مع إسرائيل في السيطرة على محور فيلادلفيا.
- قوّة مهمات دولية لإعادة إعمار غزة، تقودها الولايات المتحدة بمشاركة دول أوروبية وعربية.
- جهات فلسطينية (غير معادية لإسرائيل) تحكم القطاع، استناداً إلى الأُطر واللجان المحلية.
لكن سرعان ما أتى الردّ على خطة غالانت، من داخل الائتلاف اليميني الحاكم، حيث رأى رئيس حزب «الصهيونية الدينية»، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أن «برنامج غالانت لليوم التالي، هو إعادة بثّ لليوم السابق في 7 أكتوبر»، معتبراً أن «الحلّ في غزة يتطلّب التفكير خارج الصندوق، وتغيير المفهوم، من خلال تشجيع الهجرة الطوعية والسيطرة الأمنية الكاملة، بما في ذلك تجديد الاستيطان». وبحسب الإعلام الإسرائيلي، فإن «خطة غالانت لن تُعرض على الكابينت»، حالياً.
من جهتها، تستعجل مصر استئناف المفاوضات غير المباشرة، بعد توقّفها بفعل اغتيال نائب رئيس حركة «حماس»، الشيخ صالح العاروري، في بيروت. كما تسعى القاهرة لإقناع تل أبيب بتقديم مزيد من التنازلات، بما يتيح تخفيض حدّة الصراع، ومنع توسّعه. ومن المقرّر أن يصل وفد إسرائيلي، اليوم، إلى القاهرة، في زيارة تستغرق عدة ساعات، وسيجري الوفد خلالها مناقشة ملفات عدة، في مقدّمها إدخال كميات أكبر من المساعدات في الأيام المقبلة. وبحسب المعلومات، سيعرض المسؤولون المصريون على الوفد الإسرائيلي عدة خيارات، مع اشتراط هدنة طويلة الأمد لا تقلّ عن ثلاثة أسابيع، إفساحاً في المجال أمام مزيد من التفاوض غير المباشر. وكانت مصر أعدّت تعديلات على المبادرة التي طرحتها لإنهاء الحرب، ستجري مناقشتها مع الإسرائيليين والفصائل الفلسطينية، في حين ستكون هناك اجتماعات مكثّفة مع وفد من السلطة الفلسطينية، تمهيداً للبدء بمسار المحادثات الفلسطينية - الفلسطينية، والتي ستشكل جزءاً من الاجتماعات التي تحتضنها القاهرة فور وقف إطلاق النار.
بحسب الإعلام الإسرائيلي، «خطة غالانت لن تُعرض على الكابينت»، حالياً


على صعيد متصل، حصلت مصر على موافقة إسرائيلية على توسيع المخيم الذي يجري إنشاؤه في خان يونس، ليصبح أضعاف ما كان مخطّطاً له من قبل، علماً أن مئات العائلات الفلسطينية سيُبدأ باستقبالها داخله خلال الأيام المقبلة، مع قرب انتهاء التجهيزات التي انطلقت مطلع الأسبوع الجاري. وجاءت الموافقة الإسرائيلية بعد ضغوط مصرية - أميركية، رافقها تشديد مصري على أن «المخيم لا يجب أن يكون بديلاً من الإسراع في إعادة إعمار القطاع فور انتهاء الحرب». وبحسب المعلومات، يجري حالياً التفاوض على إنشاء مخيّمات مماثلة، بتمويل قطري – سعودي، خلال الأسابيع المقبلة، في محاولة لتحسين الأوضاع الإنسانية المتدهورة في غزة.
في غضون ذلك، وبحسب مصادر مصرية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «إسرائيل أبلغت مصر بوجود تحرّكات لقواتها خلال الأيام المقبلة على محور فيلادلفيا، وذلك في إطار التنسيق العسكري والأمني بين الطرفين». وأشارت المصادر إلى أن الرسالة «تضمّنت تأكيداً إسرائيلياً على مراعاة عدم حدوث أي أخطاء في التحركات، تؤثّر على الشريط الحدودي بين الجانبين».
وكانت «القناة 12» العبرية قد تحدّثت عن وصول وفد من جهاز «الشاباك»، في وقت سابق من الأسبوع الجاري إلى القاهرة، حيث «اجتمع أعضاؤه مع نظرائهم في المخابرات العامة المصرية»، وخاضوا نقاشاً حول «مستقبل منطقة رفح»، بالإضافة إلى «ترتيبات التفتيش الأمني في معبر رفح».