كذلك، رأى وزير الخارجية التركي أن نشوب أي صراع جديد سيفسح المجال أمام «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، الذي تعتبره تركيا امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني»، لتمتين حضوره في سوريا، و«ترسيخ مشروعه الانفصالي»، في مناطق «الإدارة الذاتية» المدعومة أميركياً، وهو ما يشكّل إحدى نقاط التوافق السوري - التركي في إطار المبادرة الروسية - الإيرانية للتطبيع بين دمشق وأنقرة، والمجمّدة في الوقت الحالي بسبب رفض تركيا الانسحاب من سوريا، أو وضع جدول واضح لهذا الانسحاب. وكانت فشلت جولات ولقاءات عديدة أمنية وسياسية، شارك فيها فيدان نفسه، الذي كان يرأس جهاز الاستخبارات التركية في معظمها، في وقت كان من المتوقّع فيه أن تفتح زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لتركيا، الباب أمام إمكانية استكمال العمل على مسار التقارب، قبل أن تؤجل إلى «وقت آخر مناسب»، بعد «هجمات إرهابية» استهدفت مدينة كرمان جنوب شرقي إيران.
تشهد خطوط التماس بين مواقع سيطرة الفصائل «الجهادية» والجيش السوري خروقات عديدة ومتكررة
وسبقت تصريحات الوزير التركي، الذي هاجم واشنطن بسبب دعمها المستمر لـ«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي بدأ جولة في المنطقة انطلاقاً من تركيا، حيث ناقش مسائل عديدة من بينها هذا الدعم الذي تعتبره أنقرة مساساً بأمنها القومي. وخلال الشهور الماضية، تجاهلت الولايات المتحدة الغارات شبه اليومية التي تشنها طائرات تركية مُسيّرة ضد مناطق تسيطر عليها «قسد»، استهدفت إلى جانب اغتيال مقاتلين، تدمير مواقع نفطية ومستودعات وبنى تحتية. وكانت أعلنت أنقرة تنفيذ 48 استهدافاً ضد تلك المناطق خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، منها 36 ضربة على منطقة القامشلي في ريف الحسكة، و12 على منطقة عين العرب في ريف حلب، بالإضافة إلى عشرات الاستهدافات المدفعية والصاروخية في محيط منبج، والتي خلّفت وراءها دماراً وعشرات الضحايا.
وفيما تؤكد أنقرة سعيها لضمان «حالة جمود وتهدئة يمكن أن يُبنى عليها مسار حل سياسي»، تشهد خطوط التماس بين مواقع سيطرة الفصائل «الجهادية» والجيش السوري خروقات عديدة ومتكررة، إذ تشنّ الفصائل هجمات عديدة سواء عبر «انغماسيين»، أو باستعمال القذائف الصاروخية والمُسيّرات الانتحارية، الأمر الذي يرد الجيش السوري عليه باستهداف مواقع تمركز المسلحين، بالإضافة إلى المستودعات وغرف التحكم والقيادة. وشملت تلك العمليات مناطق عديدة من بينها مدينة إدلب التي يسيطر عليها الجولاني، والتي كانت بعيدة عن عمليات الجيش، وفق اتفاقات «خفض التصعيد» الموقّعة بين أنقرة وموسكو. لكن ما تشهده خطوط التماس من خروقات متواصلة، يفتح الباب أمام معارك مباشرة في ظل الحضور العسكري الوازن للجيش السوري، وعجز تركيا عن الوفاء بتعهداتها بما يخص إدلب، سواء لناحية فتح طريق حلب – اللاذقية، أو عزل الفصائل «الإرهابية». إلا أن موجة التصعيد الأخيرة في مناطق «خفض التصعيد»، لم تلقَ أي أصداء، حتى الآن، في تركيا، التي تصر على تمسكها بمسارات الحل التي رسمتها الاتفاقات مع روسيا وإيران، شريكيها في مسار «أستانا»، الذي دخل بدوره حالة جمود على وقع المتغيرات الدولية التي فرضتها الحرب الروسية في أوكرانيا، وحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة.