الحسكة | تشهد البادية السورية، منذ مطلع العام الجديد، تصعيداً في هجمات خلايا «داعش» ضدّ وحدات الجيش السوري والقوات الرديفة، وسط معطيات تفيد باستخدام التنظيم أساليب وأدوات هجومية للمرّة الأولى منذ سنوات، بالرغم من أنه لا يسيطر على أيّ منطقة أو تجمّع سكني في البلاد منذ عام 2019. وفي إطار ما يبدو أنه «إستراتيجية جديدة» يتّبعها «داعش» في القتال، تهدف إلى السيطرة على مساحات جغرافيّة قريبة من البادية، في محاولة لاسترداد المناطق التي خسرها منذ سنوات، فإنّ خلايا تابعة له هاجمت، أكثر من 12 مرّة في الأيام الماضية، مواقع وأهدافاً للجيش السوري في العمق، وتحديداً في محافظات دير الزور والرقة وحمص، مستغلةً الظروف الجوية وانتشار الضباب. كما سارع التنظيم، في الأيام المنصرمة، إلى تبنّي عمليات عدّة في شمال شرقي سوريا، علماً أنّه لم يتم، منذ أشهر، تسجيل أيّ نشاط ملحوظ له في مناطق النفوذ الأميركية الخاضعة لسيطرة «قسد» هناك.على أنه، حتى الآن، لم تسفر الهجمات على الحدود الإدارية الفاصلة بين محافظتَي الرقة ودير الزور، وبشكل خاص في منطقتَي التبني ومعدان، عن تحقيق أيّ خرق ميداني فعلي. وقد شملت الهجمات، أيضاً، مواقع ونقاطاً وآليات في مناطق عدّة، في باديتَي حمص ودير الزور القريبتَين من الحدود العراقية، ومنطقة التنف على مثلث الحدود مع العراق والأردن. ويبدو واضحاً أن الجيش السوري وحلفاءه اكتشفوا، في وقت مبكر، مخطّطات التنظيم المدعومة أميركياً، واستبقوها باستقدام تعزيزات عسكرية إلى البادية، جنباً إلى جنب مع شنّ حملات تمشيط برية وجوية لملاحقة الخلايا ووضع حدّ لتحركاتها. وفي إطار التعزيزات المشار إليها، استهدف سلاح الجو السوري والروسي، كذلك، عدّة نقاط وتجمّعات لمسلّحي التنظيم في عمق البادية، وتحديداً تلك الفاصلة بين الرقة ودير الزور، وعمق بادية حمص.
من جهتها، نفذت الولايات المتحدة، أخيراً، إنزالاً جوياً، هو الأول منذ مدة ليست بقصيرة، على بلدة الجرذي في ريف دير الزور الشرقي، زاعمةً أنها قتلت أحد قيادات «داعش» الذي يحمل جنسية عراقية، وذلك في أعقاب إعلان «قسد»، بدورها، تمكّنها، نهاية العام المنصرم، من قتل زعيم التنظيم، أبو عبيدة العراقي، في مخيم الهول، في إطار عملية مشتركة مع «التحالف الدولي»، تمّ، على إثرها، «مداهمة خيمته والقضاء عليه»، «بعد محاولته تفجير نفسه بحزام ناسف». وتحركات التنظيم المستجدة داخل سوريا، تزامنت، مع تبني الأخير للتفجيرين الإرهابيين اللذين ضربا مدينة كرمان، في إيران، في ذكرى استشهاد القائد قاسم سليماني، واللذين تسبّبا بسقوط عدد كبير من الشهداء والمصابين.
وعلى ضوء ما تقدّم، يرجّح بعض المراقبين أن التصعيد الأخير، الذي يستهدف عمق المناطق التابعة لمحور المقاومة في سوريا وإيران، وبدرجة أقل في العراق، يهدف إلى الضغط على جماعات المقاومة لوقف هجماتها، بعدما تجاوزت هذه الأخيرة، وتحديداً منها المنطلقة من العراق، في الثلاثة أشهر الماضية، الـ120 هجوماً. ووفقاً لأصحاب هذا الرأي، فإن العمليات الأخرى التي شنها التنظيم، في المناطق الخاضعة للنفوذ الأميركي في سوريا، تصبح بمثابة غطاء يهدف إلى تبديد مثل هذه الشبهات، والإيحاء بأنه يعمل على استعادة نشاطه في المنطقة بأكملها، لا فقط في الدول التابعة لمحور المقاومة. وفي إشارة إلى الدور الأميركي في تحريك تلك الأحداث، أفادت مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن بعض هجمات «داعش» استهدفت مواقع على الحدود الإدارية بين دير الزور والحسكة، تبعد عن مناطق النفوذ الأميركي نحو 10 إلى 15 كم، وتحديداً عن مزارع الطبقة التي تعدّ من بؤر التنظيم في المنطقة. أمّا البعض الآخر، فتركّز على البادية التي تفصل حمص عن دير الزور، وهي منطقة ملاصقة لما يُعرف بـ«منطقة الـ55 كم»، على مثلث الحدود السورية الأردنية - العراقية، والخاضعة للاحتلال الأميركي منذ سبع سنوات على الأقل. وأشارت المصادر إلى أن «الجيش تمكّن من صدّ كلّ الهجمات وإيقاع خسائر فادحة في صفوف العناصر الإرهابية»، مضيفةً أن التنظيم عمد إلى مهاجمة مواقع عدّة، بهدف «تشتيت» الجيش، الذي «كشف مخططات داعش ومن يقف وراءها وأفشلها».
ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإنّ التنظيم «يتلقى دعماً استخباراتياً ولوجستياً من الولايات المتحدة لتنفيذ الهجمات، وهو دعم يبرز بين المدة والأخرى، وبحسب التطورات الميدانية»، في وقت بات معروفاً فيه أن قاعدة التنف «ومنطقة الـ55 كم» تحولت إلى ملاذ آمن لخلايا «داعش»، بهدف الحفاظ عليها من جهة، ومحاولة زعزعة استقرار المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري في البادية من جهة أخرى. واعتبرت المصادر نفسها أن نشاط خلايا «داعش» الأخير يُستخدم مرّة جديدة كورقة أميركية للضغط «لوقف الهجمات المحقّة للمقاومة في العراق وسوريا واليمن ضد الأهداف الأميركية»، مشيرةً، في المقابل، إلى أنّ هذه الممارسات «ستدفع المقاومة إلى التصعيد أكثر ضدّ الأميركيين والعدو الإسرائيلي، إلى حين وقف الحرب الهمجية على غزة وأهلها».