في إطار جولته المستمرة في المنطقة، وصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعدما كانت إسرائيل مهّدت لزيارته بمنح الأميركيين «شيئاً»، ومطالبتهم بـ«أشياء» في المقابل، إذ كان واضحاً، بالنسبة إلى القادة الإسرائيليين، خلال الشهر الفائت، أن الأميركيين ليسوا راضين عن مماطلة تل أبيب في تطبيق خطوات كانت واشنطن قد طلبتها، وألمحت إليها عدة مرات قبل زيارة بلينكن. لذلك، بدا واضحاً الحرص الإسرائيلي على إعلان الانتقال إلى المرحلة الثالثة، ولكن في شمال قطاع غزة فقط، بينما تستمرّ العمليات العسكرية الواسعة في الوسط وفي الجنوب، بحثاً عن منجز جدّي، يضمّه إلى «صورة النصر» التي يفضّل الخروج بها من القطاع. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نقلت عن مسؤول أميركي رفيع، تأكيده أن «إسرائيل سحبت آلافاً من قواتها في غزة في إطار انسحاب كبير من شمالي القطاع»، مضيفاً أنها «أبلغت واشنطن عزمها تقليص العمليات في المرحلة المقبلة من حملتها (...) حيث ستعتمد على عدد أقلّ من القوات، وتقلّل القصف الجوي». كذلك، قال مسؤولون أميركيون، للصحيفة، إن «تل أبيب أبلغت واشنطن أنها ستنشر قوات خاصة للقضاء على قادة وقدرات حماس». لكنّ هؤلاء المسؤولين تحدّثوا عن «ضمانات إسرائيلية سابقة لم تتحقّق»، آملين في «أن تكون هذه بداية فعلية لخفض القوات». بدورها، نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين، قولهم إن «مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن أنهم يأملون إكمال المرحلة الانتقالية بنهاية كانون الثاني/ يناير»، متوقّعين أن «تعتمد إسرائيل بشكل أكبر على مهام جراحية تنفذها قوات النخبة».ويبدو أن وزير الخارجية الأميركي أتى إلى المنطقة، حاملاً برنامج عمل بعنوانين أساسيين:
الأول، إبداء حرص واشنطن على عدم توسّع الحرب، والبحث في أدوات تحقيق هذا الهدف.
الثاني، تأكيد دعم إسرائيل في حربها على غزة، ومساعدتها في الانتقال إلى مرحلة أقلّ زخماً، وإفساح المجال لتهيئة المسرح لليوم التالي بعد الحرب.
كان لافتاً حرص بلينكن على التشديد في مختلف العواصم على ضرورة عدم توسّع الحرب


وكان لافتاً حرص بلينكن على التشديد في مختلف العواصم على ضرورة عدم توسّع الحرب، وطلب مساعدة الدول التي زارها على تحقيق ذلك، إضافة إلى بحث الأدوار التي من الممكن أن تلعبها هذه الدول، في أي مسار سياسي سيكون أمام الفلسطينيين مستقبلاً. ولم ترد على لسان بلينكن - على عكس تصريحاته في الزيارات السابقة - أي عبارات تفيد باستمرار دعم واشنطن للحرب، مع الإشارة إلى أن هذا لا يعني انقطاع الدعم الأميركي، بل تقنينه وتشذيبه، ووضعه ضمن مسار يُفضي في نهاية الأمر إلى وقف القتال، وضمان خطط اليوم التالي. وفي هذا السياق، أتت تصريحات الوزير الأميركي، أمس، في تل أبيب، والتي أعلن فيها أن «السعودية والأردن وقطر والإمارات وتركيا ستبحث المشاركة في اليوم التالي للحرب في غزة»، مضيفاً أن ذلك «سيكون فقط في ظل وجود مسار واضح للدولة الفلسطينية»، مشيراً إلى أن «السلطة الفلسطينية عليها مسؤولية إصلاح نفسها».
ولم يهمل بلينكن الحديث مع القادة الإسرائيليين، في مسار العملية العسكرية، وأهمية اتخاذ خطوات من شأنها تهيئة الظروف لإنهاء الحرب، ضمن مسار سياسي. وفي هذا الإطار، شدّد على أنه «ينبغي إتاحة الفرصة لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم بمجرد أن تسمح الظروف بذلك»، مجدّداً رفض «أي مقترحات تتبنى فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة». والجديد هنا هو إعلان بلينكن «الاتفاق (مع الإسرائيليين) على خطة تتولّى بموجبها الأمم المتحدة مهمة تقييم بشأن عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة». وكان موقع «أكسيوس»، نقل عن مصادر إسرائيلية قولها إن «بلينكن أوضح أن واشنطن مهتمة ببدء عودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع في أقرب وقت»، في المقابل «أبلغت إسرائيل، بلينكن، أن عودة هؤلاء غير ممكنة قبل إحراز تقدم في ملف الأسرى». ويبدو أن مسألة «الخطة الأممية»، أتت كحلّ وسط بين الموقفين، حيث سيستغرق تشكيل هذه اللجنة وبدايتها بتقييم البنى التحتية المدنية هناك وإمكانية عودة المدنيين، ثم البناء على التقييم، وقتاً ليس بالقصير، يكون ربما كافياً لتحقيق تقدّم في ملف التفاوض حول الأسرى.
وكانت الخارجية الأميركية أعلنت، في بيان، أن بلينكن «شدّد في اجتماعه مع نتنياهو ومجلس الحرب على ضرورة ضمان السلام الدائم بما يضمن إقامة دولة فلسطينية»، بينما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عنه تأكيده على وجوب «توحيد الضفة الغربية وغزة تحت حكم قيادة فلسطينية»، وأن «إقامة دولة فلسطينية مستقلة أمر أساسي لاستقرار المنطقة على المدى الطويل».