غزّة | لا تزال العملية البرية، بشقَّيها: الكثيف الذي تشهده مناطق جنوب قطاع غزة، والمحدود الجراحي في مناطق شمال القطاع، تراوح في مربع القتال الأول؛ إذ لم تقدّم وقائع الميدان أيّ إشارة إلى تراخي الجهد الدفاعي للمقاومة في أيٍّ من محاور القتال. وحتى المناطق التي أعلن جيش العدوّ مراراً، على لسان وزير الجيش، يوآف غالانت، نهاية العمليات الكثيفة فيها، من مثل محاور جباليا والشيخ رضوان والتفاح، عادت صحيفة «هآرتس» إلى الإعلان، وبفارق يومين فقط من التصريح «الانتصاري» لغالانت، أن الأمر فيها ليس كذلك، مؤكدة أن «كتائب القسام»، استطاعت إعادة بناء هيكليتها في شمال القطاع، وهو تحليل ثبّتته المعطيات الميدانية خلال نهار أمس.ففي شرق مخيم جباليا، أعلن «الإعلام العسكري» التابع لـ«كتائب القسام»، تمكّن مجاهدي الكتائب من الاشتباك مع قوة راجلة مكوّنة من 12 جندياً قرب مقبرة الشهداء الشرقية، والإجهاز على 4 من جنودها، في عملية تحمل دلالات لجهتَي التوقيت والحيّز الجغرافي الذي وقعت فيه. إذ إن ميدان الفعل هو نقطة طرفية، تقع على الأطراف الشرقية البعيدة جداً من عمق مخيم جباليا، وتعدّ ساقطة عسكرياً لقربها من الخط الحدودي الفاصل الذي تعسكر فيه المئات من آليات جيش الاحتلال ومواقعه، ويغطّيه قناصة العدوّ ووسائل الرقابة الإلكترونية على مدار الساعة. أما من حيث التوقيت، فالعملية وقعت بعد نحو شهر كامل من الانسحاب الكبير من معظم المواقع التي توغّلت فيها قوات العدوّ في عمق المخيم وأحيائه المحيطة، وأيضاً بعد إعلان «القسام» استشهاد الصف الأول من قيادة الكتائب في هذه المنطقة، وتزايد الحديث عن تحييد عدد كبير من القادة الميدانيين الفاعلين هناك. والجدير ذكره، أيضاً، أنه في المنطقة نفسها، تمكنت «القسام» من تدمير دبابة «ميركافا» بقذيفة «الياسين 105»، كما أطلق مقاوموها قذيفة «تي بي جي» مضادة للتحصينات، في اتجاه قوّة خاصة كانت تتحصّن في داخل منزل شرق جباليا.
في السياق نفسه، تفيد مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن المقاومة استطاعت اكتشاف قوة إسرائيلية خاصة، كانت تتنكّر بملابس المواطنين المدنيين، وحاولت التسلل إلى بلدة بيت لاهيا، حيث خاضت مع المقاومين اشتباكات وجهاً لوجه، ما دفع الدبابات الإسرائيلية إلى التقدم لإخلاء القوة. أما في حيّ التفاح، الذي سوّت قوات الاحتلال 80% من الكتلة العمرانية فيه بالأرض، فقد أعلنت «القسام» أيضاً تدمير ناقلة جند كانت ترابط في موقع الخليل العسكري شرق الحي، وتفجير فتحة نفق بقوة إسرائيلية راجلة. كما استهدفت «الكتائب» دبابة «ميركافا» يعتليها 3 جنود بقذيفة «الياسين 105». من جهتها، أعلنت «سرايا القدس» أن مقاوميها خاضوا، طوال نهار أمس، اشتباكات ضارية مع القوات المتوغّلة في شرق جباليا والتفاح.
كل فرصة للهدوء تستغلّها المقاومة لتجديد خلاياها وتوصيل الإمدادات


أما الزخم الأكبر في العمل الميداني، فكان من نصيب مناطق الجهد العملياتي الأساسي في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة. هناك، أعلنت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة تنفيذ سلسلة من عمليات التصدي النوعية، حيث تحدثت «القسام» عن تفجير منزل كانت تتحصّن فيه القوات الخاصة، في منطقة بني سهيلا شرق المدينة، ما تسبّب بوقوع 30 جندياً بين قتيل وجريح. أيضاً، أعلنت «القسام» تفجير ثماني آليات، تنوّعت ما بين دبابات وجرافات وناقلات جند، بقذائف «الياسين». مع ذلك، عاد غالانت، مساء أمس، إلى الادعاء بأن جيش الاحتلال استطاع تدمير الهيكلية التنظيمية لحركة «حماس» في شمال غزة، والقضاء على الآلاف من «المخربين». ولكنه أمام الوقائع الميدانية التي لا شك في أن المقاطع المصوّرة ستثبتها في وقت قريب، أبقى الباب موارباً لدرء الحرج بخصوص حضور المقاومة الذي يزداد زخماً، قائلاً: «لا يمكن القضاء على جيوب المقاومة بشكل كامل في شمال القطاع».
أمام ذلك كله، تؤكد مصادر في المقاومة، تحدثت معها «الأخبار»، أن العملية البرية في شمال غزة، ورغم التدمير الكبير الذي تسبّبت به في البنى التحتية للمنازل والشوارع، وعدد الشهداء الكبير من المدنيين، فإنها لم تحقّق، بأيّ شكل من الأشكال، الهدف الإسرائيلي المُعلن المتمثل في القضاء على المقاومة. وتتابع المصادر أن «حدّة الفعل العسكري قد تتراجع بشكل آني، بالنظر إلى الكثافة النارية الكبيرة، وبعض المعوّقات الميدانية واللوجستية، لكنّ العدوّ لا يستطيع، مهما أوتي من قوة، المحافظة على المستوى ذاته من الضغط طوال الوقت. ومعنى ذلك، أن كل فرصة للهدوء تستغلّها المقاومة لتجديد خلاياها وتوصيل الإمدادات. وبالتالي، فإن العدوّ سيبقى يدور في الدائرة المفرغة ذاتها طويلاً».