في هذه المادة شهاداتٌ لصحافيِّينَ فلسطينيينَ من الضفة الغربية، يسعى الاحتلال الإسرائيلي بكلِّ قوته لتغييبهم عن المشهد، فقد أصبح الصحافي الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة هدفاً عسكرياً لقيمة الحقيقة التي يرصدها، وسلطتها التي تفوق أعتى الأسلحة والترسانات العسكرية.منذ 7 تشرين الأول، تجاوز عدد الشهداء الصحافيين حاجز المئة، واعتقلت قوات الاحتلال ما يقارب 56 صحافياً وفق تقرير صدر عن نقابة الصحافيين الفلسطينيين. ليس ذلك فحسب، يتعرّضُ الصحافي أيضاً للضرب والقمع والمنع، عبر الحواجز، من الوصول إلى التغطية. كل ذلك يجعلنا نفقد الثقة في حصانة الصحافي الممنوحة إليه من قبل معظم الأعراف الدولية، إذ أصبح استهداف الصحافيين واضحاً للعيان، وعلى مرأى العالم أجمع من دون أن يُحرّك أحدٌ ساكناً، فيبقى الصحافي يحاول وحده مواجهة الاستهداف الإسرائيلي لذاته وللمهمة التي يؤديها.
في الضفة الغربية، يعيشُ الفلسطينيون إبادةً صامتة، تتمثّلُ في الاقتحامات المستمرة للقرى والمدن والمخيمات، إضافةً إلى شنّ حملات اعتقالاتٍ واسعة في صفوف المواطنين. كما عمد الاحتلال، بعد 7 تشرين، إلى زيادة عدد الحواجز والبوابات الحديدية التي تفصل بين المدن والقرى الفلسطينية، إذ أصبح عددها ما يزيد على 690 حاجزاً وبوابة بحسب ما صرّح أمير داوود، المدير العام للنشر والتوثيق في هيئة الجدار والاستيطان.
وفي هذا السياق، يمارس الاحتلال العقوبات الجماعية على الصحافيين الفلسطينيين على الحواجز من خلال التنكيل بهم، وتفتيش هواتفهم ومعداتهم الصحافية بشكلٍ دقيق، واحتجازهم لساعاتٍ طويلة تحول دون وصولهم إلى أماكن عملهم، إذ يضطرّون في كثيرٍ من الأحيان إلى استبدال الطرق الرئيسية بطرقٍ أخرى بديلة والالتفاف لمسافاتٍ طويلة عبر الجبال والطرق الوعرة التي تستغرق وقتاً وجهداً أطول.
هادي صبارنة، صحافيّ من مدينة الخليل يسكن في رام الله ويعملُ مع قناة «الجزيرة مباشر»، تعرّض عشرات المرّات لتنكيلٍ واحتجاز من قبل الاحتلال عبر الحواجز أثناء ذهابه لممارسة عمله. يقول: «قبل 7 أكتوبر، كنت أذهب في ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل لتغطية الأحداث مهما كانت، على الرغم من خطورة هذا الأمر. لكن بعد 7 أكتوبر اختلف الأمر كلياً، وأصبحت أتجنّب الذهاب إلى التغطية خارج مدينة رام الله بشكلٍ نهائي».
«في إحدى المرّات، ذهبت من مدينة رام الله باتجاه مدينة نابلس لتغطية تشييع شهداء فلسطينيين من المدينة. وأثناء الإياب ذهبت باتجاه قرية دير شرف التي تقع شمال غرب مدينة نابلس، انتبه جنود الاحتلال الذين يقفون على حاجز القرية لسيارتي التي يوجد على مرآتها الأمامية شعار الصحافة، فطلبوا مني الوقوف إلى جانب المربعات الاسمنتية والخروج من السيارة». يتابع: «طلب الجندي آنذاك مني هويتي الشخصية، وكنت أحمل هاتفين، أحدهما للعمل والآخر شخصي، أخذ الجندي يفتش الهاتف فوجد في الاستديو الفيديوات التي قمت بتصويرها أثناء تشييع الشهداء في المدينة، وأخذ الجندي يبدأ بالضحك ويقول لي: «كل فيديو بدي أحجزك عليه ساعة، وأنت عندك ثلاثة فيديوات، وأنا بدي أحجزك ثلاث ساعات».
يمارس الاحتلال العقوبات الجماعية على الصحافيين الفلسطينيين على الحواجز من خلال التنكيل بهم، وتفتيش هواتفهم ومعدّاتهم الصحافية بشكلٍ دقيق، واحتجازهم لساعاتٍ طويلة


بالفعل، احتجز ما يقارب الثلاث ساعات، من الساعة الثامنة حتى الحادية عشرة ليلاً: «وهذه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة، فكل حاجز أمرّ عبره، يقوم جنود الاحتلال باحتجازي لأوقات تصل إلى ساعات مع تهديد بالاعتقال ومصادرة هواتفي ومعداتي الشخصية».
الصحافي رائد الشريف، الذي يعمل مع قناة «الغد» من مدينة الخليل، يواجه كغيره من الصحافيين الفلسطينيين في كل حيّ ومدينة وشارع حواجز للاحتلال: «عندما كنت أريد الذهاب من مدينة الخليل إلى مدينة بيت لحم، كنتُ أستغرق حوالي نصف ساعة، أمّا اليوم فقد تأخذ الطريق حوالي ثلاث ساعات». يشير الشريف إلى حادثة تعرّض لها أثناء ذهابه إلى مدينة بيت لحم لتغطية الإفراج عن الأسيرات ضمن صفقة التبادل بين المقاومة والاحتلال: «أثناء مروري عبر حاجز «النشاش» الذي يقع عند المدخل الجنوبي لمدينة بيت لحم، أوقفنا جنود الاحتلال وشرعوا بضرب السيارة بأسلحتهم، كما صوّبوا البندقية باتجاه المصوّر، وتلفّظوا بألفاظ وكلمات بذيئة، وقاموا بتفتيش السيارة، وبعد ذلك سمحوا لنا بالمرور». يغلق الاحتلال حاجز «النشاش» بعد الساعة السابعة مساء، ونظراً لذلك «عندما انتهت تغطيتنا في مدينة بيت لحم، لم نستطع العودة من الحاجز، واضطررنا إلى سلوك طرق فرعية طويلة وخطيرة، يتواجد فيها المستوطنون بحماية جنود الاحتلال الذين يتعدّون في أيّ لحظة على السيارات بإطلاق النار أو الضرب بالحجارة».
أمّا المصور الصحافي عصام الريماوي الذي يسكن في مدينة رام الله، فيضطر في كثير من الأحيان، أثناء تغطيته في محافظات شمال الضفة، إلى تجنّب العودة إلى المنزل في ساعات متأخرة: «عندما يحدث اقتحام لمدينة نابلس أو جنين أو طولكرم الذي يستمر لساعات طويلة، أضطر إلى حجز فندق في هذه المدن، والبقاء فيه، تجنباً للمرور عبر الحواجز أثناء الليل». «الأمر بعد 7 أكتوبر اختلف كلياً، فأصبحت أتجنّب الذهاب إلى التغطية ليلاً، وأبحث دائماً عن أي طرق فرعية أتجنب من خلالها المرور عبر الحواجز التي يتحكم بها جندي حسب مزاجه».
يتعمّد الاحتلال أذية الصحافي الفلسطيني بشتّى الطرق، وخيرُ برهانٍ على ذلك شهادة الصحافي محمد تركمان الذي يعمل لدى «الجزيرة مباشر»، وكان قد تعرّض لإطلاق نار مباشر من قبل مستوطنين أثناء أداء مهمة صحافية، يقول: «بعد 7 أكتوبر، ذهبتُ إلى بلدة قصرة جنوب شرق مدينة نابلس لتغطية تشييع شهداء في البلدة، وعندما اقتربت من الوصول، كان الاحتلال يحتجز سيارات الإسعاف بالقرب من البلدة، فبدأت بتصوير هذا الحدث من داخل السيارة التي تحمل شعار الصحافة، وحالما رأى المستوطنون ذلك قاموا بإطلاق النار علينا، وعلى إثر ذلك استشهد شاب ووالده، وتم احتجازنا قرابة الساعتين». نتيجةً لهذه الحادثة، أُرغم تركمان، كغيره من الصحافيين، على تجنب الخروج خارج مدنهم للتغطية.