لندن | انتقد الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، علناً، السلوك المتعجرف لوزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في مشاركة الأخير في الاجتماع الشهري لوزراء خارجية الاتحاد في بروكسل، أول من أمس، والذي تقرَّر تخصيصه للبحث في الجبهتَين المشتعلتَين على التخوم الأوروبية: أوكرانيا والشرق الأوسط. وقال بوريل للصحافيين، إن كاتس، الذي دُعي إلى الاجتماع كما الأمين العام لـ«جامعة الدول العربية»، ووزراء خارجية الأردن والسلطة الفلسطينية والسعودية ومصر، «قدّم للوزراء عرضَي فيديو، أحدهما لخطط إنشاء جزيرة اصطناعية قبالة ساحل غزة، وآخر عن خط سكة حديد إلى الهند، وهي طروحات، وإنْ بدت لنا مثيرة للاهتمام، إلّا أنه لا علاقة لها بمضمون المحادثات». ورأى أنه «كان في إمكان الوزير الاستفادة من وقته بشكل أفضل، والتركيز على مسائل أمن بلاده، مع الأخذ في الحسبان العدد الكبير من القتلى في قطاع غزة»، مشيراً إلى أن العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أبلغت وزير الخارجية الإسرائيلي بأنها تفضّل إقامة دولة فلسطينية، تطبيقاً لـ«حلّ الدولتين»، وأوضحت له أن «الحلّ من أجل سلام مستدام يضمن الأمن لإسرائيل، سيشمل إقامة دولة فلسطينية»، لافتاً إلى «(أنّنا) لم نتمكّن من حمله على تغيير رأيه، لكنّنا لم نكن نتوقّع ذلك بدايةً». كذلك، أكد قائد الديبلوماسية الأوروبية أن «الاتحاد مصمّم على السعي إلى تحقيق حلّ الدولتين في الشرق الأوسط سواء كانت إسرائيل مستعدّة للمشاركة في العملية أم لا»، مضيفاً أنه «إذا لم تكن إسرائيل راغبة في التوصّل إلى حلول عملية، فسيكون صعباً عليها المشاركة، لكن ذلك لن يمنع الآخرين من العمل».
وتسبّبت مقاطع الفيديو التي عرضها كاتس، بامتعاض ظاهر على وجوه بعض الحاضرين، الذين كانوا يتوقّعون مناقشات جادّة بخصوص كيفية إنهاء الصراع، وتخفيف معاناة السكان المدنيين في غزة، وسط تزايد المخاوف من انتشار المجاعة وتفشي الأوبئة، وبعدما تجاوز عدد الشهداء حاجز الـ25 ألفاً. وسبق لكاتس نفسه أن روّج لأفكاره تلك في عام 2017، حينما كان وزيراً للنقل، داعياً المجتمع الدولي، وقتها، إلى دفع ثمن جزيرة اصطناعية تسيطر عليها الدولة العبرية، وتسمح عبرها للإمدادات والطاقة والمياه بالوصول إلى غزة عبر جسر.
في المقابل، تسلّمت الأطراف المشتركة في اجتماع بروكسل، ورقة نقاش مؤلّفة من 12 نقطة عمومية في شأن «حلّ الدولتين». وفيما لا تشتمل الورقة أيّ تفاصيل، فهي تتحدث عن مؤتمر سلام مستقبليّ، وتشدد على توضيح «العواقب» لكلا الجانبَين، اعتماداً على ما إذا كانا سيقبلان أو يرفضان خطّة سيوافق عليها التكتّل، من دون الإشارة إلى هذه العواقب. ومن المعروف أن الاتحاد الأوروبي مموّل رئيس للسلطة الفلسطينية، وجهات أخرى في الأراضي العربية المحتلّة، كما لديه اتفاق تعاون اقتصادي شامل مع الكيان العبري يشمل منطقة تجارة حرّة، ويُعدّ شريكه التجاري الأول، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الأوروبيين قد يستخدمون مساحات النفوذ المحدودة تلك، لدفع أطراف النزاع نحو تسوية ما.
حثّت إسبانيا على عقد مؤتمر سلام لمناقشة ما قد يحدث بمجرّد انتهاء الأعمال القتالية في قطاع غزة


من جهتها، حثّت إسبانيا على عقد مؤتمر سلام، يبدو أن أروقة الاتحاد الأوروبي في بروكسل تشهد تحضيرات لعقده بالفعل، من دون أن يتضح توقيته إلى الآن، علماً أن الخطّة تحظى بدعم بعض الدول الأعضاء في الاتحاد، فيما آخرون يقولون إنها لا تزال تحتاج إلى مباركة من إسرائيل. وفي هذا الجانب، رأى وزير خارجية لوكسمبورغ، كزافييه بيتيل، أنه «إذا لم تكن إسرائيل على الطاولة، فلا فائدة من عقد أيّ مؤتمرات سلام»، مشيراً إلى أن «إسرائيل لن تكون مستعدّة للمحادثات طالما أنها تعتقد بأن حماس تشكّل خطراً».
وبعد تبديد وقت الاجتماع من دون تحقيق أيّ تقدّم يذكر في شأن عملية السلام، أخبر العديد من الوزراء الأوروبيين، كاتس، على الهامش، بأن على إسرائيل السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، رغم استمرار الانقسامات حول مسألة الدعوة إلى وقف إطلاق النار. وقالت وزيرة الشؤون الخارجية الفنلندية، إيلينا فالتونين، للصحافيين: «نرى الآن أن المدنيين الأبرياء في غزّة يتضوّرون جوعاً حتى الموت. ولا يمكننا أن نقبل بحدوث ذلك»، فيما أشار وزير الخارجية الإيرلندي، مايكل مارتن، إلى أن «التقارير التي نتلقّاها رهيبة للغاية من حيث انتشار المجاعة، ومن حيث العواقب الإنسانية لهذه الحرب. وليس هناك عذر الآن لأيّ تلكؤ أو أيّ تأخير في ما يتّصل بإدخال المساعدات الحيوية إلى القطاع. سنطرح هذه النقاط بقوّة في الاجتماع». ومن جهتها، قالت وزيرة الخارجية البلجيكية، الحاجة لحبيب، التي تتولّى بلادها الرئاسة الدورية للاتحاد، إن «غزة في حالة حرجة للغاية. هناك خطر المجاعة. هناك خطر الأوبئة. يجب أن يتوقّف العنف». ووفقاً لبوريل، فإن أقلّ من 100 شاحنة تدخل يوميّاً إلى القطاع، مقابل 500 كانت تعبر في الأيام العادية.
ويقول مراقبون في بروكسل إن ازدراء كاتس للجهود الأوروبية، كرّس من الإحباط المتزايد الذي يشعر به حلفاء مقرّبون للكيان، نتيجة تعنّت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تجاه حلول مستدامة للصراع. على أن هذا الإحباط لم يمنع الوزراء من التوافق على تأسيس قوّة بحرية للمساعدة في ما سمّوه «ضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر» حيث تفرض القوات البحرية اليمنية حصاراً على الملاحة الإسرائيلية. والتزمت بلجيكا بإرسال فرقاطة، وكذلك فعلت ألمانيا، فيما أبدت إيطاليا استعدادها للمساهمة أيضاً، لكن بوريل أبلغ الصحافيين بأن «التفاصيل لا تزال بحاجة إلى بحث، بما في ذلك موعد إطلاق المهمّة». وتشارك هولندا، الدولة العضو في الاتحاد، رسميّاً في قوّة تقودها الولايات المتحدة، وتضمّ كندا وبريطانيا وأستراليا والبحرين، هاجمت اليمن ثماني مرّات منذ الـ11 من الجاري.