في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، وبعد أسابيع من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، كتبت مفوضة السلامة الإلكترونية الأسترالية، جولي إنمان غرانت، رسالة إلى ميتا (الشركة الأم لفايسبوك وإنستغرام وثريدز وواتساب) تنقل فيها مخاوف عضو مجلس الشيوخ عن حزب الخُضر، مهرين فاروقي، بشأن تقرير صحيفة الـ «غارديان» (بنسختها الأسترالية) حول إدراج إنستغرام كلمة «إرهابي» في السير الذاتية لبعض الأشخاص على المنصة بدلاً من فلسطيني. مثلاً، في حالة مَن يكتبون «فلسطيني» على صفحاتهم الشخصية ويضعون رمز العلم الفلسطيني وكلمة «الحمد لله»، تصبح العبارة لدى ترجمتها إلى الإنكليزية: «الحمد لله، الإرهابيون الفلسطينيون يقاتلون من أجل حريتهم». وسألت غرانت أيضاً عن حظر الأصوات الفلسطينية على منصات ميتا، مضيفة أنّ «غياب الأصوات المنوّعة من «ساحة الإنترنت» من المحتمل أن يُسهم، في رأيي، في تطبيع خطاب الكراهية على المنصات». وردت ميتا بتاريخ 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، عبر مديرة السياسة الإقليمية لديها في أستراليا، ميا غارليك، قائلة إنّ نية الشركة لم تكن قمع مجتمع أو وجهة نظر معينة. وأضافت إنه كانت هناك مشكلة «لمدة وجيزة» مع «الترجمات العربية غير المناسبة» ولكن تمت ملاحظة المشكلة وحلها «في غضون ساعات».
(ميكائيل سيفتشي ــ تركيا)

مع مرور الوقت وتوالي الانتهاكات في حق المحتوى المناصر لفلسطين، تصاعد السخط ضد ميتا في الوقت الذي أثارت فيه الرقابة الممنهجة على منصاتها، بما في ذلك فيسبوك وإنستغرام، قلقاً وانتقاداً واسعاً. ووصفت «هيومن رايتس ووتش» ما يحصل بأنّه رقابة نظامية وعالمية تؤثر على المستخدمين من أكثر من 60 دولة. وبعد مراجعتها 1050 حالة حول «محتوى سلمي لدعم فلسطين حُجب أو قُمع بشكل غير مبرر»، حدّدت المنظمة في تقرير نشرته في 20 كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي ستة أنماط رئيسية لممارسة هذا، هي: إزالة المنشورات، وتعطيل الحسابات، وتقييد قدرة المستخدمين على التفاعل مع المحتوى، الـshadow ban، وتطبيق معايير مزدوجة، والفشل في تقديم إشعار أو تفسير مناسب لعمليات الإزالة أو تعليق الحساب.
كما دمجت الدراسة أبحاثاً من منظمات دولية، من بينها مركز «حملة» و«المركز العربي لتطوير وسائل التواصل الاجتماعي» وAccess Now. من ناحيتها، ردّت ميتا على تلك التقارير بالتشكيك، مقلّلةً من أهمية المخاوف، ومعتبرةً أنّ «ألف» مثال لا يعتبر دليلاً على الرقابة المنهجية نظراً إلى كمية المحتوى المنشور على منصاتها. ومع ذلك، واجهت الشركة انتقادات من الجهات التنظيمية الأسترالية، والسيناتورة الأميركية إليزابيث وارن، قبل أن تعترف «ميتا» بأنّها ترتكب أخطاء محبطة للناس لكن تنفي في المقابل قمع صوت معين بشكل متعمّد وممنهج.
محاولة ميتا التهرّب من الدماء لم تنفع، وكانت لها تبعات. فقد كشفت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية في 9 كانون الثاني (يناير) الماضي أنّ ميتا أخضعت إحدى الموظفات للتحقيق بعدما أعلنت عن وجود «رقابة» على الآراء المؤيدة للفلسطينيين، وقُبض على عالمة البيانات في ميتا بحجة انتهاك قواعد عملاق وسائل التواصل الاجتماعي التي تحظر المناقشات السياسية في مكان العمل. وتعمل الموظفة في الشركة منذ عام 2021، بحسب ملفها الشخصي على موقع LinkedIn. موقع «بزنيس إنسايدر» تواصل معها في 10 كانون الثاني الماضي. في الفيديو، الذي شاهده الموقع ونشرته على صفحتها في إنستغرام، تقول العاملة إن مجموعة من موظفي ميتا كتبوا الرسالة، ثم شاركوها مع مجموعة داخلية. وقالت في الفيديو: «داخلياً، كنا نحاول إثارة هذه المخاوف والإنذارات، لكن هناك قاعدة تنص على أنه لا يمكنك التحدث عن مواضيع مزعجة، لذلك يُحذف أي شيء ننشره في ما يتعلق بفلسطين»، مضيفة أنّه لا يُسمح حتى لزملائها بالنشر عن أفراد عائلاتهم الذين قتلهم الاحتلال في غزة. وطالبت الموظفة أيضاً ميتا «بإجراء شفّاف للرقابة الداخلية والخارجية» على منصاتها في الرسالة، بعدما واجهت الشركة انتقادات من بعض السياسيين وجماعات حقوق الإنسان حول أنّ أنظمة الإشراف على المحتوى الخاصة بها كانت تقمع الأصوات المؤيدة لفلسطين. ووفقاً لمقطع الفيديو الخاص بها، تلقّت الموظفة لاحقاً رسالة من زميل غير محدد يقول فيها إن الرسالة تنتهك قواعد الشركة. وقالت إن الرسالة والفيديو المنشور تمت إزالتهما وحذفهما بعد بضع ساعات.
تحديد ستة أنماط للقمع الافتراضي بعد مراجعة 1050 حالة


منذ بدء العدوان الصهيوني على غزّة، لجأ مناصرو فلسطين إلى X وتيك توك وتليغرام. وعلى الرغم من المضايقات التي تعرّضوا لها على هذه المنصات، إلا أنّها بقيت تسمح أقلّه بنشر خبر أو معلومة تصل إلى العالم عمّا يحدث داخل القطاع. لكن على المقلب الآخر، هُجرت منصات ميتا كونها تُعتبر قضية خاسرة، وربما بات كل شخص مؤيد لفلسطين يشعر بثأر شخصي تجاه مؤسسها مارك زاكربيرغ المشارك في إسكات الصوت الفلسطيني وفي معاقبة سكان حاولوا توثيق جرائم الاحتلال في حقّهم عبر حساباتهم التي جوبهت بالإغلاق أو التعتيم. وبالتالي، وإلى جانب التظاهرات الشاجبة للاحتلال في الغرب، يجب فضح شركة ميتا وعدم السماح لها بالإفلات من المحاسبة. وكل من شاركوا في تطبيق سياسات ميتا والتعتيم على رسائل الفلسطينيين، يقفون عملياً إلى جانب الصهاينة، ويتعيّن الصراخ في وجوههم وحمل صورهم على اللافتات في الشوارع الغربية. تملك ميتا أكثر من ثلاثة مليارات مستخدم حول العالم، وبالتالي هي مسؤولة بشكل مضاعف عن بقية منصات التواصل الاجتماعي الأخرى.