بغداد | تسير جولة المفاوضات الثنائية بين بغداد وواشنطن، بشأن جدولة الانسحاب لقوات «التحالف الدولي» من العراق، والتي يفترض أن تكون استؤنفت، أمس، في أجواء من الضبابية، نظراً إلى تأثّرها بأجواء التوتّر والتصعيد بعد الهجمات المتبادلة الأخيرة، واغتيال القيادي البارز في «كتائب حزب الله العراق»، أبو باقر الساعدي، الأسبوع الماضي. وسيكون من شأن ذلك التقليل، وفقاً لمطلعين على الموضوع الأمني، من فرص نجاحها، خصوصاً وسط تأكيد قيادات في المقاومة العراقية أنّ الولايات المتحدة ليست لديها نية الانسحاب من العراق في الوقت الحالي. ويجري البلدان محادثات منذ كانون الثاني الماضي حول مستقبل وجود «التحالف» في الأراضي العراقية، ولكن بعد أقل من أسبوع من بدء تلك المفاوضات، حصلت الضربات الأميركية على العراق، ثم الاغتيالات، ما أثّر في سيرها.وقد تمضي المفاوضات تحت ضغط نيران المقاومة والضربات الأميركية على مقرات «الحشد الشعبي»، وهذه، وفقاً للمتابعين للوضع الحالي، وصفة لإفشالها أو تعليقها حتى إشعار آخر كما حدث في عهود الحكومات السابقة، فضلاً عن رغبة بعض القوى السياسية السنية والكردية في بقاء قوات «التحالف» على أرض بلاد الرافدين لأسباب مختلفة. وتؤكد مصادر عراقية قريبة من الحكومة، لـ«الأخبار»، أن نجاح الحوار بين بغداد وواشنطن قد «أصبح صعباً جداً بعد هجوم الأردن (الذي قُتل فيه 3 جنود أميركيين وجُرح العشرات غيرهم)»، واصفة خروج القوات الأميركية من العراق بـ«الحلم».
وكان قد خلص البرلمان، في جلسته التداولية بشأن مصير قوات «التحالف» والتي عقدها مساء أول من أمس، إلى رفع مقترح قانون إلى لجنتي الأمن والدفاع والقانونية النيابية يقضي بإخراج تلك القوات، إلى جانب دعوته الحكومة إلى تطبيق قرار برلماني سابق للغرض نفسه. وتغيّب النواب التابعون للقوى السنية والكردية عن الجلسة، ما لاقى انتقاداً من الأوساط الشعبية والسياسية، كونه يمثل تهرّباً من حماية السيادة الوطنية عبر توحيد المواقف بين جميع المكونات العراقية.
وتعليقاً على استئناف المفاوضات، يؤكد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، أن «الحوار الثنائي بين العراق والولايات المتحدة هو من ضمن أولويات الحكومة الحالية، وستكون نتائجه لمصلحة كل العراقيين»، مضيفاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني) «يعمل على التهدئة، وتخفيف الصراع المشتعل في المنطقة، ولا سيما التصعيد في الساحة العراقية». ويبيّن أن «المفاوضات جاءت لغرض التفاهم ووضع خطة عمل مشتركة بين بغداد والجانب الأميركي بشأن مستقبل قوات التحالف الدولي، وكيفية تعامله مع الجانب العراقي».
قد تمضي المفاوضات تحت ضغط نيران المقاومة والضربات الأميركية على مقرات «الحشد الشعبي»


في المقابل، يقول النائب عن «الإطار التنسيقي»، حسن سالم، لـ«الأخبار»، إن «الحوار مع أميركا ليس منه جدوى، من دون وقف انتهاكاتها للسيادة العراقية، والابتعاد عن استهداف القيادات الوطنية في الحشد الشعبي وجميع فصائل المقاومة». ويشير إلى أنّ «الحكومة العراقية، وكذلك المقاومة العراقية، ملتزمتان بأصول الحوار والتفاوض مع الولايات المتحدة، ولكن الأخيرة أثبتت أكثر من مرّة عدم التزامها بالاتفاقيات المعقودة مع الجانب العراقي»، مطالباً الحكومة «بتسريع الإجراءات لإنهاء الوجود الأجنبي في البلاد، لأننا لسنا بحاجة إليه من ناحية المشورة والتدريب لقواتنا الأمنية».
ويشدد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، مهدي تقي آمرلي، بدوره، على أن «قرار البرلمان هو قرار الشعب وعلى الحكومة العراقية تطبيقه فوراً»، معتبراً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «المرحلة الحالية قد تخرج عن السيطرة نتيجة الأحداث، وقد يكون الكل خاسراً فيها». ويضيف أن «البرلمان قرّر تشريع قانون يلزم السلطات التنفيذية إخراج القوات الأجنبية، ولا سيما الأميركية، التي ارتكبت أبشع الجرائم وقتلت قيادات في المقاومة الإسلامية». ويؤكد آمرلي أن «لجنة الأمن والدفاع ستكون مشرفة ومتابعة للمفاوضات بين الجانبين الأميركي والعراقي، وسيكون لنا تقييم لهذا العمل». ويختم بالقول إن «هناك قرارات مهمة ستخرج من البرلمان في الأيام المقبلة، فضلاً عن استضافة القائد العام للقوات المسلحة ووزراء الداخلية والدفاع والخارجية وضباط كبار لمناقشة مجريات المفاوضات والاطّلاع عليها بشكل دقيق».
ومن جانبه، يعتقد القيادي في «الحشد الشعبي»، علي الفتلاوي، أنّ «المفاوضات بين العراق وأميركا لا تشكّل أهمية قصوى لدى فصائل المقاومة. فهم يرون أن المحتل لا تردعه سوى القوة والمواجهة العسكرية واستهداف مصالحه». ويلفت، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أنّ «بعض الفصائل أمهلت الحكومة وعلّقت عملياتها العسكرية، ولكنّ هناك وقتاً محدداً وربما ستعود الهجمات بقوة في حال بقيت القوات الأميركية على الأرض واستهدفت مقرات فصائل الحشد الشعبي وقياداته». ويضيف أنّ «المقاومة متوجّسة من التحركات الأميركية، ولهذا تتعامل بحذر عبر مواقفها أو مواجهتها العسكرية منذ بداية حرب إسرائيل على غزة».
أما المفكر السياسي، غالب الشابندر، فيرى أنّ «فكرة خروج القوات الأميركية مستبعدة، وإن حدث، فستترتّب عليه تداعيات كثيرة منها سحب بعض الدول الأوروبية سفاراتها من البلاد». ويضيف أن «الولايات المتحدة قالتها علانية إنها لن تنسحب من البلاد، فهذه المفاوضات هي فقط شكلية لا أكثر ولا أقل». ويلفت إلى أنّ «هناك قوى سياسية كالسنة والكرد وجزءاً من الشيعة ليسوا مقتنعين بقرار انسحاب قوات التحالف، وبالتالي أعتقد أن فكرة انسحابهم لن تتحقق بسهولة».