على وقع تصريحات وزير الماليّة الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، والتي اعتبر فيها أن استعادة الأسرى «ليست الأمر الأكثر إلحاحاً وأهميّة»، تصاعدت احتجاجات أهالي هؤلاء، الذين أغلقوا الشارع المحاذي لمقر وزارة الأمن (الكرياه) في تل أبيب، بالتزامن مع جلسة «مجلس الحرب» التي انعقدت هناك، محتجين على قرار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، منع الوفد الإسرائيلي من العودة إلى القاهرة لمتابعة المفاوضات. وأتى هذا التصعيد عقب مقابلة أجراها سموتريتش مع «الإذاعة الإسرائيلية العامة» (كان - ريشت بِت)، قال فيها إن «المهمّ الآن هو تدمير حماس»، مستدركاً بأنه «يجب إعادة الأسرى، ولكن ليس بأيّ ثمن». وأثار كلامه موجة من الانتقادات؛ إذ دعته عائلات الأسرى إلى أن «يخجل من نفسه»، فيما قال الوزير في «كابينيت الحرب»، بيني غانتس، ردّاً عليه، إن «عودة المختطفين ليست هدفنا النهائي في الحرب فحسب، بل هي واجبنا الأخلاقي كدولة وشعب. هذا هو الشيء الأكثر إلحاحاً، ولن نفوّت أيّ فرصة لإعادتهم إلى وطنهم». أمّا رئيس المعارضة، وحزب «هناك مستقبل»، يائير لبيد، فوصف أقوال سموتريتش بأنها «وصمة عارٍ أخلاقية»، معتبراً أن «أشخاصاً بلا قلب لا يجب أن يُسمح لهم بالاستمرار في قيادة دولة إسرائيل إلى الهاوية».وفي سياق مفاوضات صفقة التبادل، تحدّث المحلّل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، عن أنه «للمرّة الأولى منذ أسابيع، أفضت الضغوط الأميركية إلى اختراق في المحادثات»، موضحاً أن هذه الأخيرة تقدّمت في عدد من البنود المركزيّة، ومن ضمنها «النسبة بين عدد المختطفين الإسرائيليين الذين سيطلق سراحهم مقابل الأسرى الفلسطينيين الذين ستحررهم إسرائيل، وكذلك مدّة وقف إطلاق النار». وأضاف أنه «رشحت أمس إشارات تفاؤل حذر في إسرائيل»، مشيراً إلى أن ذلك نتج من جهود أميركية يقودها رئيس الاستخبارات ويليام برنز، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط بريت ماكغورك، الذي وصل إلى مصر، بموازاة وصول وفد «حماس» برئاسة رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، إليها، حيث من المفترض أن يقود المحادثات مع كبار المسؤولين في المخابرات المصرية.
من جهتها، انتقدت سيما كيدمون، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، سلوك حكومة نتنياهو حيال ملفّ الأسرى، إذ اعتبرت أن ما يحدث في هذا الملف «غير قابل للاستيعاب. فإنْ كان هناك مَن سيقول لنا في نهاية شهر أكتوبر، إن المختطفين الذين أُخذوا من أسرّتهم في مستوطنات غلاف غزة، لن يعودوا إلى بيوتهم حتى نهاية شباط الجاري، كُنّا سنستصعب تصديقه». وتساءلت: «خمسة أشهر؟ 137 يوماً؟ كيف يمكن لذلك أن يحدث». واستذكرت استعادة إسرائيل لأسراها من مصر وسوريا عقب «حرب الغفران»، حيث بدأت عودتهم في الـ 15 من تشرين الثاني عام 1973، أي بعد مضيّ أقلّ من ستة أسابيع على وقوعهم في الأسر؛ ومن سوريا في حزيران وتموز 1974، أي بعد تسعة أشهر. ورأت أنه «بالوتيرة التي تُدار بها المفاوضات في شأن المختطفين، يبدو أن عودتهم أقرب إلى عودة الأسرى الإسرائيليين من سوريا، بالمقارنة مع مصر»، مستدركةً «من الصحيح أن ثمّة فوارق بين تبادل أسرى مع دولٍ، وبينه مع منظمة إرهابية في غزة. غير أن الفرق الأكثر إثارة للقلق هو بين الشعور بالالتزام الأخلاقي لدولة إسرائيل تجاه أسراها بعد حرب يوم الغفران، وشعور حكومة نتنياهو بالالتزام الأخلاقي تجاه الأسرى لدى حماس».
النصر المطلق بنظر نتنياهو هو البقاء على كرسيّ رئاسة الوزراء


وفي هذا الإطار، استعادت كيدمون سلسلة «هإحات» التي بثّتها «كان 11» حول السرب 201 في شهر أيلول الماضي، والتي فيها تحدث الطيار مئير شني حول وقوعه في الأسر السوري، قائلاً بفخر: «كنت أعرف أن دولة إسرائيل تقف خلفي، هذا ما جعلني أصمد على رغم كل الصعوبات. لقد عرفت أنهم سيُخلّصونني». ولفتت، كونها شريكة في إعداد السلسلة، إلى أن «هناك أيضاً (في سوريا)، سمع الأسرى أصوات قصف الطائرات الإسرائيلية فوق رؤوسهم، وهم كذلك تعرّضوا لحرب نفسية، حيث قيل لهم إن دولة إسرائيل انتهت، ولم يَعُد لديهم مكان ليعودوا إليه». واعتبرت أنّ «ثمّة شكاً في إن كان الأسرى في أنفاق حماس مقتنعين بأن دولة إسرائيل ستخلّصهم. فشهادات الذين عادوا من الأسر في الصفقة الأولى تؤكد أنه في أوساطهم يتعزّز الشعور بأن دولة إسرائيل تخلّت عنهم. وفي ظلّ الحرب النفسية، بالإضافة إلى الوقت الطويل الذي مضى، فإنهم يستسلمون لهذا الاقتناع»، مشيرةً إلى أنهم «يعرفون الأشخاص الموجودين في الحكومة. هم يعرفون إلى أين يمكن أن تتّجه هذه الحكومة، مع اليمين المتطرّف والمسياني، لتحقيق أجندتها والمصالح الشخصية لأعضائها. وهم يفهمون أيضاً ما نشهده جميعاً: هذه الحكومة موجودة منذ أكثر من عام بقليل، وكان لدينا بالفعل رئيسان للوزراء: ياريف ليفين وإيتمار بن غفير». وتابعت: «إنْ اعتقدنا في أكتوبر الماضي، بأنه بعد بضعة أيام... بعد أسبوع - إسرائيل ستقوم بواجبها الأساسي تجاه مواطنيها، وهو الحفاظ على أمنهم - فإن هذا كله تلاشى. كل يوم تحدث أمور فظيعة هنا، تؤشر إلى أن الذين يقودوننا يعرفون ماذا يفعلون. وهذا يبدأ في العلاقات داخل مجلس الحرب». أيضاً، تساءلت: «كيف يمكن إقناع الجمهور الإسرائيلي بأن نتنياهو يضع نصب عينيه مسألة تحرير المختطفين؟ وكيف يمكن أن نصدّقه، بينما تمضي الأيام ولا شيء يحدث؟ كيف بالإمكان ألّا نفكّر في أن مصلحته هي واحدة: إطالة أمد الحرب من أجل منع المتوقع بعدها: تظاهرات، احتجاجات، لجنة تحقيقات رسمية، انتخابات».
ووفقاً للكاتبة، فإن السبب الذي يجعل رئيسَي الأركان السابقَين، ووزيري مجلس الحرب، بيني غانتس، وغادي آيزنكوت، يبقيان في الحكومة «ليس أقل إثارة للقلق»؛ إذ تساءلت: «هل يبدو أنهما يعتقدان أن لديهما ما يمكن أن يُسهما به في الكابينيت؟ ولكن كل يوم يمرّ، يثبت إلى أيّ حدّ هم هامشيون. ومن الواضح أن عدد المقاعد التي يحصلون عليها في استطلاعات الرأي ذات جاذبية أكثر بالنسبة إليهم»، مشيرة إلى أن «برج المقاعد هذا سينهار عندما يتبيّن أن بقاءهما في حكومة نتنياهو هو الذي منع الانتخابات. ففي الوقت الذي يحاولان فيه الحفاظ على المقاعد التي ينالونها، هما يحافظان أيضاً على الأعضاء الـ 64 في ائتلاف نتنياهو». كذلك، تساءلت: «مَن كان يصدق أنه بعد خمسة أشهر من المذبحة في غلاف غزة، الأشخاص أنفسهم المسؤولون عمّا حصل لا يزالون يجلسون على كراسيهم في الحكومة؟ وأوّلاً وقبل كل شيء، فإن نتنياهو هو الذي تجرّأ على القول إن الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد بعد سنوات». واتهمت رئيس الوزراء بـ«الغطرسة والوقاحة» لوقوفه أمام الإسرائيليين، والإعلان أن الاستقالة في الحرب أو بعد الحرب ليست في حساباته، متحدثاً عن «النصر المطلق» الذي «نعرف جميعاً أنه لا يوجد ولن يكون نصراً كهذا، لا مطلقاً ولا عموماً؛ فالنصر المطلق بنظر نتنياهو هو البقاء على كرسيّ رئاسة الوزراء فحسب».