غزة | ثلاثة أحبال زينة، وحائط واحد، في الجهة الغربية من سوق الصحابة شمال شرقي مدينة غزة، خطّ عليه الأهالي عبارة: «رمضان كريم رغم الحرب والمجاعة»، هو ما يذكّر بأن ما يفصلنا عن حلول شهر رمضان المبارك، مدّة لا تتجاوز الأسبوع الواحد. في مثل هذا التوقيت، من كل عام، كانت أحبال الزينة والفوانيس الكبيرة، تملأ كل شوارع القطاع، فيما تزدحم الأسواق بكميات كبيرة جداً من البضائع الرمضانية، من مثل الأجبان والحلاوة والتمور والفواكه المجفّفة وقمر الدين، وعصائر الخروب وعرق السوس. ولغزة، طقوسها الخاصة في هذا الشهر، التي تبدأ، حتى قبل ظهور الهلال بشهر كامل.في شمال غزة، حيث تفترس المجاعة مئات الآلاف من المحاصَرين، وتفتك يومياً بالمزيد من الأطفال وكبار السن، بدأ الناس صيامهم مبكراً؛ لا بل هم صائمون منذ نحو شهر. «إلي ما بياكل طول اليوم، إلا حبة ليمون، وربع رغيف إن توفّر، صايم ولا مش صايم يمّا»، تقول الحاجّة أم أيمن. وتضيف، في حديثها إلى «الأخبار»: «في كل السوق، ما بتلاقي علبة فول، أو قطعة جبنة. سعر كيلو الحلاوة المصنّعة محلياً، وصل إلى 70 شيكلاً، والكميات المتوفرة منها محدودة جداً. ما في حدا منا، فاهم على شو بدو يتسحر، وعلى شو بدو يفطر... الله يفرجها وبس».
في سوق الصحابة، حيث كان يجلس الحاج عبد العاطي حمد، في مقابل بسطة مقفرة من البضائع، ضرب الرجل كفاً بكف وهو يحكي إلى «الأخبار» كيف كان عليه حاله في الوقت نفسه من العام الماضي: «مئات الأصناف من كل نوع من كل البضائع الرمضانية، ما بلاقي مكان حط فيه أنواع الجبنة والتمور والحلاوة والمكسرات. الناس في غزة تبدع في تحضير الطعام، إحنا مجتمع عائلتي بيتوتي، يعني أحلى شيء بالشهر الفضيل هو التجمّع على الفطور والسحور، وتناول القطائف بعد صلاة التراويح. اليوم ما فيه شيء، كيلو الأرز وصل إلى 120 شيكلاً، تخيّل 35 دولاراً سعر الكيلو الواحد، مين قادر يدفع 100 دولار حتى يطعم عائلة مكوّنة من 10 أفراد، وهذا رز بدون لحم، ولك أن تقيس على هذا المنوال».
بعيداً عن المجاعة، يترقّب الأهالي أيضاً، ما ستؤول إليه مفاوضات وقف إطلاق النار، بعدما أنتج الحصار واقعاً مجتمعياً مشوّهاً، جزّأ العائلات وشتّت أوصالها في جغرافيا القطاع؛ والنماذج كثيرة، لأسرة يعيش الوالد فيها في شمال غزة، بينما نزحت عائلته إلى جنوب القطاع، أو لوالدة نزحت كل بنت من بناتها رفقة زوجها إلى مناطق تقطع التواصل بينها الدبابات. تقول مريم محمود، وهي أم لستة شبان، نزح ثلاثة منهم إلى مدينة رفح، وبقي اثنان منهم في شمال القطاع، بينما انقطع التواصل مع أحدهم بعدما نزح منذ شهرين إلى المحافظة الوسطى: «رمضان بدون ما يكونوا الستة بياكلوا معي من نفس الصحن، والله ما له طعم، أملنا بالله كبير، يلم شملنا من جديد».