القاهرة | كما كان متوقعاً، حنث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بوعده الذي أطلقه مباشرة على الهواء خلال افتتاح أحد المشاريع، في حزيران الماضي، حين رفض التعويم، لتجنب إفقار المصريين. فقد ترك السيسي البلاد تغرق مجدداً في تعويم جديد للجنيه يطيح مدّخرات المصريّين ومستقبلهم، مع رفع أسعار الفائدة، والاستمرار في مطالبة المصريين بالصبر. يأتي ذلك على الرغم من إشاعة السلطات المصرية أجواء إيجابية، في الأيام الأخيرة، إثر توقيع عقد بيع أرض منطقة رأس الحكمة في الساحل الشمالي للإمارات قبل أيام، والذي يضمن دخول 35 مليار دولار للاقتصاد المصري، يبدو أنها لم تستطع انتشال مصر من أزمتها الاقتصادية الخانقة، ليتمّ تخفيض قيمة العملة للمرة الرابعة في غضون 8 سنوات، بأكثر من 53%، بالتزامن مع رفع الفائدة بنسبة 6%، في اجتماع استثنائي لـ«البنك المركزي».وأمس، سجّل سعر صرف الجنيه، في البنوك المصرية، متوسط 50 جنيهاً لكل دولار، وهو ما يمثل ارتفاعاً في سعر الدولار مقابل الجنيه، بأكثر من 60%، مقارنة بسعر صرف الجنيه عند تسلّم السيسي السلطة في حزيران عام 2014، عندما لم يتجاوز 7 جنيهات فقط أمام الدولار. والجدير ذكره، هنا، أنه عند وصول السيسي إلى الحكم، كان الحد الأدنى للأجور يعادل 170 دولاراً (حوالي 1200 جنيه)، لكن اليوم بات الحد الأدنى للأجور يعادل أقلّ من 120 دولاراً، على الرغم من رفع الحد الأدنى للأجور للموظفين العاملين في القطاع الحكومي بنسبة تصل إلى 6 آلاف جنيه، بدلاً من 4 آلاف جنيه، وهي زيادة لم تعد تناسب الحياة اليومية للمصريين، وخاصة أن معظم القطاع الخاص المصري لا يزيد فيه الحد الأدنى للأجور عن ألفَي جنيه، بما يعادل نحو 40 دولاراً شهرياً.
سيتوقف «المركزي» عن التدخّل «مؤقّتاً» في سعر الصرف، على غرار تعويم 2016.


وجاء تخفيض قيمة العملة قبل ساعات قليلة من إعلان اتفاق مصر مع «صندوق النقد الدولي» على زيادة برنامج التمويل الممنوح للبلاد من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار، بعد التوصل إلى اتفاق مع خبراء «الصندوق» بشأن المراجعات المعلقة منذ عام. وتضاف إلى الزيادة خطط لمزيد من الاقتراض والديون، وفي مقدمتها 1.2 مليار دولار جديدة من «صندوق الاستدامة البيئية» التابع لـ«النقد الدولي»، إلى جانب قروض أخرى ميسّرة من «البنك الدولي» و«الاتحاد الدولي» وشركاء آخرين. وتعهدت الحكومة لـ«النقد الدولي» بتحقيق فائض أولي في الموازنة بحدود 3.5%، وتخفيض الدين إلى أقل من 90% ضمن سياسات الانضباط المالي، مع «دعم الفئات الاجتماعية الأكثر تأثراً بالقرارات مالياً»، وفق قولها، على رغم أن تلك الأرقام قد يكون من الصعب تحقيقها في حال استمرار الوضع الاقتصادي بشكله الحالي. وعلى هذه الخلفية، يبدو أن فوضى المشاريع الكبرى وتشييد الطرق ستتوقف، إذ لن يزيد سقف الاستثمارات العامة في العام المالي المقبل عن تريليون جنيه لكل جهات الدولة، مع تشديد السياسة النقدية والمالية، والتحرك نحو سعر صرف مرن سيحظى بمتابعة مكثفة من «النقد الدولي»، وخاصة مع التوقعات بتحسن سعر صرف الجنيه قريباً وتداوله عند متوسط سعري بين 40 و45 جنيهاً.
وعلى غرار تعويم 2016، سيتوقف «المركزي» عن التدخل «مؤقتاً» في سعر الصرف، وذلك لمدة محددة تمكّنه من ضخّ سيولة في السوق بشكل فوري من أجل ضبط سعر الصرف، بحسب ما يؤكد مصرفيون لـ«الأخبار». وتتزامن هذه الخطوة مع الرفع التدريجي لجميع القيود التي فرضت على العملة خلال الفترة الماضية، وعدم إلزام البنوك المحلية بسعر صرف معين، وهي خطوات ترى السلطات أن من شأنها إرساء «استقرار اقتصادي مرحلي»، ولا سيما في ظلّ رفع الفائدة بصورة فاقت التوقعات، والحصول على أموال «صفقة رأس الحكمة».
وبالتزامن مع ذلك، ستفرج الحكومة عن البضائع والسلع المتراكمة في الموانئ، وفي مقدمتها السلع الاستراتيجية والأساسية، مع إعطاء أولوية لمستوردي الأغذية والأدوية ومستلزمات الإنتاج والتي تقدّر بنحو 8 مليارات دولار، ما يعني أن تكلفة الدعم في الموازنة العامة للدولة ستزيد بصورة كبيرة، في وقت ستقفز فيه أسعار المحروقات بأكثر من 10%، بحسب ما يُتوقع صدوره عن اجتماع طارئ للجنة التسعير التلقائي خلال ساعات. وبينما ارتفعت سندات مصر الدولية وسجّلت أدوات الدين المقوّمة بالدولار تحسناً ملحوظاً، بات واضحاً أن مسار الإصلاح الاقتصادي الجديد الذي تعهّد نظام السيسي بتطبيقه والالتزام به، لن يتضمن فقط القروض الجديدة، بل سيشمل أيضاً استمرار عمليات البيع للشركات الحكومية والبحث عن أموال إضافية من دول الخليج، بينما يستمر تحميل «الظروف العالمية»، وحدها، مسؤولية الإخفاق الاقتصادي على مدار العقد الماضي.