ليال حدادمنذ أربعة أشهر، اليوميّات نفسها: تستيقظ كارين الحاج صباحاً، تذهب إلى أحد المعاهد لتعلّم اختصاص جديد بعيداً عن ذلك الذي أحبته وتعلّمته لأربع سنوات. تعود إلى البيت، تخرج مساءً مع أصدقائها، وتعود لتنام. إنّها دوامة مغلقة أتعبت كارين، فتنهار حيناً، تصرخ وتشتم، لتعود وتهدأ «هذه حال البلد، مش بس أنا بلا شغل»، تقول لنفسها مواسيةً.
إنّها البطالة إذاً. ولكن الصعب فيها هذه المرة أنها بطالة بإرادة كارين. فهي من قدّمت استقالتها من الحضانة التي كانت تعمل فيها «بسبب عدم احترام الإدارة للشروط الأساسية في العمل مع الأطفال».
كارين التي درست التربية في كلية التربية ــــ الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية، وجدت أنّ العمل على الأرض بعيد عن المثاليات التي يتعلّمها الطالب في جامعته «وأنا ما فيي هيك، يا إمّا على الأصول أو بلا الشغل». تدخل في تفاصيل عملية دقيقة عن أصول التعاطي مع الأطفال وتوفير الجوّ المريح والمناسب الذي يساعد الطفل.
لا ترتاح كارين كثيراً في الحديث عن مشكلتها مع الحضانة التي عملت معها أخيراً، ولكنها تتذكّر بحسرة عملها السابق، في حضانة أخرى، عملت فيها ثلاث سنوات وتركتها بعد عدوان تموز: «كنت كل ما طالب بزودة يعطوني وكانوا يقدرولي شغلي». ولكن جاء عدوان تموز، سافر الأطفال مع أهلهم إلى الخارج، وأصبحت بلا عمل. بعد شهر هدأت الأوضاع، انتهى العدوان، إلا أن إدارة جديدة تسلّمت إدارة الحضانة، فظنّت كارين أنها ستعود إلى عملها. «الإدارة الجديدة أخدت منّي كل المعلومات وكل التفاصيل عن الحضانة وما عطيوني وظيفة».
تدرس كارين حالياً اختصاص التجميل «تاتواج، وهيك إشيا. هيدا الماشي وعالموضة. بلبنان الواحد لازم ينبّش عا إختصاص عالموضة تيمشي حالو». العمل في هذا الاختصاص متوافر، فكريستال شقيقة كارين تملك صالوناً للتجميل وهي بحاجة إلى مساعدة.
والهجرة؟ لا. يأتي جواب كارين واضحاً ودون تفكير «مهما حصل لن أغادر لبنان». وتبدأ بتعداد تجارب رفاقها ورفيقاتها، منهم من غادر لبنان ليعمل بخمسمئة دولار في الخليج، ومنهم من «انبلف» من أصحاب العمل «كذبوا عليهم، وعدوهم بتوفير المنزل والمواصلات، إلى جانب المعاش، وإذا بهم في بلد غريب ضحايا لكذب أصحاب الشركات الكبرى».