عون: دفعت الرئاسة فدية لتحرير الدوائر الانتخابيّة ومستعدّ للتعاون للخروج من الأزمةرغم تنفيس طرح المقايضة، وعمليات الشد المتبادلة بين فريقي الموالاة والمعارضة، وداخل كل فريق منهما، لتقاسم حقائب السيادة والخدمات، فالأمل لا يزال كبيراً بتأليف حكومة الوحدة قبل موعد زيارة الرئيس الفرنسي يوم السبت
إذا كان موعد وصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلى بيروت، قد حدده بيان للمديرية العامة لرئاسة الجمهورية بيوم السبت المقبل، فإن كيفية الوصول إلى الحكومة الجديدة ونوعيته، هما ما شغلا معظم السياسيين أمس، فتمحورت مواقفهم ونشاطهم قبيل نضج «طبخة» التأليف، بين سعي البعض إلى التوزير بل والتسابق عليه، و«تعفف» البعض الآخر عنه في ما يشير إلى نسف المقايضة في بيروت. فقد نفى نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، طرح توزيره، قائلاً إنه «لا يمت إلى الحقيقة بصلة، لأن الموقع الذي أشغله هو بالنسبة إلي أهم من أي منصب آخر». فيما أكد النائب باسم السبع في بيان ــــ رسالة أنه غير مرشح، متمنياً للرئيس فؤاد السنيورة «التوفيق في مهمته الصعبة، وتخطي قوائم الاستيزار».
ولفتت أمس زيارة شخصيتين من 14 آذار لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الأولى هي الوزيرة نايلة معوض التي أشادت بسليمان الذي «برهن من خلال ماضيه، ومواقفه، وخطاب القسم، أنه حقيقة رجل المؤسسات»، معلنة دعمها «الكامل له لإعادة بناء لبنان التعددي والديموقراطي، ولبنان المؤسسات التي تحمي المواطن». والثاني هو النائب بطرس حرب الذي أشار إلى أنه تشاور مع رئيس الجمهورية «في بعض الأفكار التي تسهم في حلحلة التعقيدات السياسية في مواجهة الاستحقاقات المقبلة». وقال: «بحثنا أيضاً في العلاقات اللبنانية الخارجية، لجهة تفعيل دور رئاسة الجمهورية كالمركز الأول للسلطة». وإذا كان الاثنان قد تجنّبا الإشارة إلى الموضوع الحكومي، فإن النائب آغوب قصارجيان الذي زار ووفداً من حزب الرمغفار، قصر بعبدا، ذكر أن البحث تطرق إلى المشاركة في الحكومة و«حق الطائفة الأرمنية بأن تتمثل بوزيرين».

وزارات لائقة بالوزراء وأخرى لا تليق بهم

ورغم أن تكتل التغيير والإصلاح، قام خلال اجتماعه الأسبوعي أمس، بمراجعة طويلة لمرحلة التفاهم مع حزب الله وأمور تتعلق بالانتخابات، فإن معظم الأسئلة للنائب ميشال عون بعد الاجتماع تمحور حول الحكومة المقبلة، حيث نفى كل ما يتردد عن التشكيلات، كاشفاً أن البحث مع الكتل توقف عند مرحلة الاستشارات مع السنيورة. وإذ تمنى تأليف الحكومة قبل مجيء ساركوزي ليجد حكومة تستقبله، قال إن «إطالة فترة التأليف تتعلق بمزاج من يلعب في تأليفها»، لافتاً إلى أن عدد الوزارات واضح وكذلك التوزيع بالنسبة إلى الحقائب السيادية والخدماتية. وأجاب بـ«ليست مشكلتي» على عدد من الأسئلة: «فما طلبته من رئيس الحكومة يمكن أن يطلبه الرئيس بري» بالنسبة إلى وزارة الصحة. وعن توزير الرئيس أمين الجميّل وسمير جعجع وحرب، قال: «أنا لدي 5 وزراء وطالبت بحقائب المال، الأشغال العامة، الصحة، الشؤون الاجتماعية، الزراعة أو الصناعة». وانتقد الانتقاص من قيمة بعض الوزارات، بالقول: «يبدو أن هناك وزارات لائقة بالوزراء وأخرى لا تليق بهم». وبعدما سأل: «لماذا سأعترض على توزير الياس المر؟»، قال: «نحن متفقون على أن تكون وزارات الرئيس حيادية، وما يبقى يقسّم بين المعارضة والموالاة»، مردفاً: «عندما نعطي نعطي مجاناً، ولكن لا نريد أن نأخذ أقل من حقوقنا».
كذلك أكد أنه لن يتخلى عن محاربة الفساد، قائلاً: «كل أمر يكلف فدية: دفعت الرئاسة فدية كي أحرر الدوائر الانتخابية من الأسر»، وأردف: «التعاون مع الحكومة هو للخروج من الأزمة إلى الحال الطبيعية»، راهناً مسؤوليته عن محاربة الفساد، بامتلاكه للقوة «لأعيّن محققاً وأرسله إلى وزارة أو إدارة أو أي ملف»، وكاشفاً أنّ هناك مدّعياً عاماً «رفض استقبال دعوى، فماذا نفعل؟ ننتظر الفرصة الملائمة». وكان عون قد التقى أمس النائب السابق فارس بويز، ثم رئيس حزب الكتائب السابق كريم بقرادوني الذي رأى أن «اتفاق الدوحة صحّح ما كان ناقصاً في اتفاق الطائف. في الطائف خسر رئيس الجمهورية صلاحياته، في الدوحة استعاد المسيحيون سلطتهم من خلال مجلس الوزراءمن جهته، توقع النائب ميشال المر، الذي التقى أمس عدداً من السفراء، أن ترى الحكومة النور في نهاية الأسبوع «على أبعد تقدير»، نافياً وجود منافسة على حقيبة الدفاع، «فالوزير الياس المر مطروح جدّياً، وننتظر من رئيسي الحكومة والجمهورية أن يتخذا القرار المناسب»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «هناك عدداً من المرشحين». وسأل «الذين يتحدثون عن إنجازات المسيحيين، ما هي هذه الإنجازات؟»، ملوّحاً بأنه «سيأتي وقت قريب، أوضح فيه كل الأمور كي يعلم اللبنانيون حقيقة ما حصل في الدوحة». وللبيان الوزاري اقترح «أن يؤخذ خطاب القسم، ويضاف إليه بعض النقاط، فلا تعود هناك مشكلة».

المداورة على الطوائف... أفضل حل

في هذا الوقت، كرر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، المطالبة بوزارة المال للشيعة «وهي من حقنا». لكنه، ولأن اقتراحه باستحداث منصب نائب شيعي لرئاسة الجمهورية «يحتاج إلى تعديل دستوري»، رأى أن «أفضل حل لتوزيع الوزارات، هو المداورة على الطوائف، مع اختيار الإنسان الكفوء لكل وزارة، فلا تكون الوزارات حكراً على طائفة معينة»، كما رفض أن تكون الوزارة «حصة شخص». وقال: «نحن لا نريد تغيير النظام ولا نريد ولاية الفقيه، مع تقديرنا لها، ولا نخفي شيئاً عن اللبنانيين. نحب إيران، ولكن لا يمكن أن تطبّق ولاية الفقيه في لبنان. لذلك لا نريد أن يفهمنا أحد بشكل خاطئ لأننا في لبنان محكومون بالتوافق والمشاركة والتواصل والانفتاح على الآخرين واحترامهم».
ورأى النائب نادر سكر، أن مطالبة قبلان بنيابة رئاسة الجمهورية «موضوع لا يتناسب مع واقع ما هو قائم عندنا، لأن نيابة الرئاسة تكون في البلاد ذات النظام الرئاسي، وحيث صلاحيات الرئيس واسعة». ورأى النائب الأول لرئيس حزب الكتائب شاكر عون، في اللقاء الكتائبي الموسّع، خطورة في «بعض الطروحات التي تصدر من وقت لآخر، والتي تتعارض مع ما نصّ عليه الدستور والميثاق الوطني وما تقول به الأعراف والتقاليد الدستورية والسياسية في لبنان»، معتبراً أن هذه الطروحات «لا يمكن البحث فيها إلا في إطار مؤتمر وطني تطرح فيه الصيغ البديلة للنظام القائم». وتمنّى «ولادة طبيعية وسريعة للحكومة الجديدة».
وإذ رأى النائب روبير غانم أن «الاستيزار حق لكل فريق أو لكل نائب يشعر بأن بإمكانه أن يقدم شيئاً للبلد»، لفت إلى أنه لا يمكننا تأليف حكومة من 128 نائباً، داعياً إلى التسامي والترفّع عن الأنانيات والمصالح الشخصية، وإلا «لا يمكن أن نكون إلا في فترة هدنة». وانفرد النائب سمير فرنجية بالقول إن هناك مشكلة في التأليف نتيجة تطورات خارجية، متحدثاً عن «تمايز متزايد» بين الموقفين السوري والإيراني، وإن «هذا التطور جعل المعارضة في حالة إرباك».

دعوات للإسراع في التأليف لأسباب مختلفة

إلى ذلك، أجمعت مواقف أخرى، على الدعوة إلى الإسراع في تأليف الحكومة، ولكن كلّ لسبب مختلف. فالنائب أنطوان سعد يريده لـ«البدء فوراً بجلسات الحوار الجدّي لمناقشة سلاح حزب الله ووضع الاستراتيجية الدفاعية». والنائب عبد المجيد صالح «لمعالجة التدهور الحاصل والمطّرد في الأوضاع المعيشية والاقتصادية»، كذلك النائب علي خريس «لأن أكثر ما يحتاج إليه لبنان في هذه المرحلة هو الهدوء وأن يتعاون اللبنانيون في ما بينهم لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية».
أما المسؤول السياسي لحزب الله في الجنوب الشيخ حسن عز الدين، فأكد أن المعارضة «لن تطلب شيئاً زائداً» عما حققته من مطلب المشاركة، معلناً مدّ اليد لتأليف حكومة الوفاق والوحدة التي تؤكد التمثيل الشامل لجميع مكوّنات المجتمع. وقد أثنى «لقاء الجمعيات والشخصيات الإسلامية»، على موقف الحزب «بضرورة تمثيل المعارضة السنّية في التشكيلة الوزارية الجديدة»، معتبراً أنها «خطوة مقدامة نحو مزيد من الوحدة والتماسك ورفض الفتنة المذهبية عملياً».
وفيما رأى النائب السابق طلال المرعبي أن الأسماء لم تعد مهمة، رغم أن دخول القيادات الأساسية في الحكومة «يسهّل مهمة الحوار وإنجاز قانون الانتخابات العصري». قال رئيس تيار التوحيد وئام وهاب إن جعجع يريد دخول الحكومة «لاختراع مشاكل طواحين الهواء»، وإن وجوده فيها «سيورّط فؤاد السنيورة في مشاكل كبيرة»، معتبراً أن «الحصة الدرزية ليست منّة من أحد»، وطالب بأن تجتمع المعارضة الدرزية «وتسمّي ممثّلها».
ودعا لقاء الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية في الجنوب، إلى «الابتعاد عن الكيدية في التمثيل الحكومي ومحاولة توظيف بعض الحقائب الخدماتية لغايات انتخابية». أما رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية علي الشيخ عمار، فرأى أن تأليف الحكومة قد يكون أسهل «مما يظن البعض، فهناك اتفاق على توزيع المقاعد بنسب محددة، وتبقى مشكلة الحقائب الوزارية»، داعياً إلى الإسراع «لتفويت الفرصة على المستغلين الذين يريدون استثمار أي خلافات».
على صعيد آخر، وبعدما دعا مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، أمام مجلس نقابة المحررين، إلى العمل على إزالة آثار الحوادث الأخيرة «ومداواة الجراح والرواسب»، أكد «أن لا خلاف بين السنّة والشيعة في لبنان، فالخلاف سياسي». ووصف اتفاق الدوحة بأنه «إنجاز بالغ الأهمية»، داعياً إلى التقيّد ببنوده والعمل على تطبيقها». ورأى أن خطاب القسم «ركّز على أمرين أساسيين: عدم استخدام السلاح في الداخل والعودة إلى الحوار». وقال إن الحكومة المقبلة «ستكون حكومة وحدة وطنية وستريح الجميع، والتعاون سيكون على أشدّه بين رئيس الجمهورية الحكيم ورئيس الحكومة الصابر». وأبدى استعداده للمشاركة «في قمة روحية إسلامية وأخرى وطنية لدعم مسيرة السلام والهدوء في لبنان».
وفي اللقاءات، زار وفد من حزب الله قيادتي الحزب الشيوعي وحركة الشعب، وأفاد بيان أنه جرى التأكيد «أن بيروت كانت وما زالت عاصمة المقاومة في مواجهة المشروع الأميركي ــــ الصهيوني في المنطقة، كما كل أبناء الشعب اللبناني»، وأن الاهتمام «يجب أن يتركز في المرحلة القادمة على معالجة هموم المواطنين المعيشية والمطلبية»، إضافة إلى التشديد على «ضرورة التوصل إلى قانون انتخابات عصري، بعيداً عن الأساس الطائفي والمذهبي»، مشيراً إلى أن الحزب الشيوعي نبّه إلى «أن استمرار تجاهل الإصلاحات السياسية سيؤدي، في مناخ الصراع الدائر في المنطقة، وفي مناخ الانقسام المذهبي والطائفي، إلى تبديد إنجازات المقاومة وإلى تجديد الأزمة بشكل أخطر».