رئيس الحكومة المقبل في عهدة «المشاورات» وميقاتي يسمّي الحريرييتحوّل لبنان في الخامسة من بعد ظهر غد الأحد، إلى قبلة أنظار العالم، عندما تنطلق عملية انتخاب «مالئ الفراغ» الذي شغل اسمه القادة والناس، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة تبقى معالمها رهناً بالأيام والمواقف المقبلة... غداً يوم آخر
بوصول قائد الجيش إلى بعبدا، غداً، يكون رابع جنرال ينتقل من اليرزة إلى القصر الرئاسي بعد اثنين حملا لقب «فخامة الرئيس» وثالث ترأس حكومة انتقالية. وهو الثالث في جمهورية الطائف الذي يتسلم فيها الموقع من لا أحد، والثاني الذي سبقت التهاني بانتخابه عملية الانتخاب نفسها. والأول الذي وزعت مديرية التوجيه نبذتين عن حياته في يومين قبل تسلمه منصبه الجديد.
اكتملت أمس الاستعدادات لانتخاب سليمان غداً، بما فيها إنهاء كل مظاهر الاعتصام في وسط بيروت، والإعلان عن إجراءات السير الخاصة بالجلسة، مع توالي تأكيدات الحضور العربي والدولي، وآخرها إعلان الاتحاد الأوروبي أنه سيتمثل بالممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة خافيير سولانا وبرئيس بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان باتريك لوران. كما يحضر وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير، الذي كان قد رحّب الأربعاء باتفاق الدوحة، معتبراً أنه يمثّل «مرحلة أساسية في إرساء وحدة واستقرار واستقلال لبنان»، ليعود ويقول أمس في مؤتمر صحافي في القدس، إن الاتفاق «يسير في الاتجاه الصحيح، لكن يبدو أنه لم تتم تسوية أي شيء في العمق»، مضيفاً: «ربما كان من الأفضل التوصل إلى هذا الاتفاق دون سيطرة حزب الله على نصف بيروت لإسماع صوته».

ترحيب ألماني ويوناني وإيراني و... أميركي

وكان قد تواصل أمس الترحيب الخارجي بالاتفاق، فوصفه وزير خارجية ألمانيا فرنك ـــ فالتر شتاينماير، في رسالة إلى رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، بأنه «خطوة هامة لحل المشاكل العميقة في لبنان»، مشيداً بجهود قطر «التى تمكنت من نزع فتيل الأزمة المتفاقمة فى لبنان والتي تهدد منطقة الشرق الأوسط برمتها». كذلك رحبت الحكومة اليونانية بالاتفاق و«بمناخ التوافق والوحدة الوطنية الذي نتج» منه. ورأى عضو مجلس خبراء القيادة في إيران أحمد خاتمي، أن حزب الله حقق نصراً سياسياً عبر هذا الاتفاق «ليس أقل شأناً من الانتصار العسكري» في حرب تموز، وقال: «إن بعض الدول العربية اتخذت مواقف سيئة للغاية خلال أحداث لبنان وأساءت إلى حزب الله وإيران، لكن في نهاية المطاف فإن ما سعى إليه حزب الله منذ 18 شهراً لتشكيل حكومة وحدة وطنية، قد تحقق».
وفي موقف يعكس الاطمئنان الجزئي إلى ما تحقق، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية، أنها عدلت تعليمات سفر البريطانيين إلى لبنان، من النصيحة بتجنب هذا السفر «في جميع الحالات»، إلى تجنبه «الآن، إلا عند الضرورة»، مبررة بأنه «رغم أن مستويات العنف انخفضت في لبنان، إلا أن هناك إمكانية في أن تشتعل من جديد ومن دون إنذار، وهناك بشكل خاص مناطق توتر حول مدينة طرابلس»، ناصحة بتجنب السفر في جميع الحالات إلى المخيمات الفلسطينية «بسبب استمرار أجواء التوتر داخلها»، وإلى جنوب نهر الليطاني «بسبب وجود خطر الذخيرة غير المتفجرة».
وأعلنت القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون، بعد زيارتها لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ترحيب بلادها بالاتفاق الذي وصفته بأنه «خطوة إيجابية لتعزيز الديموقراطية في لبنان من خلال انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وإقرار قانون جديد للانتخابات». وقالت: «إن لبنان الآن في مرحلة جديدة وضعت حداً للعنف وتحتاج إلى الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي الذي يستحقه لبنان»، مكررة «أن الولايات المتحدة تدعم الحكومة اللبنانية على بسط كامل سلطتها على جميع الأراضي اللبنانية. ونحن نتطلع إلى استمرار العلاقة الجيدة مع الحكومة الجديدة». كما أعربت عن التقدير لـ«الجهود الكثيرة» التي بذلها بري لحل الأزمة، مشيرة إلى أنها بحثت معه «في حثّ الولايات المتحدة كل القيادات اللبنانية على تطبيق اتفاق الدوحة بكل بنوده، وبما يتوافق مع المبادرة العربية وأيضاً مع قرارات الأمم المتحدة»، كما زارت سيسون النائب ميشال عون.
وفي متابعة لرعاية بلاده لما بعد الاتفاق، جال القائم بالأعمال القطري محمد حسن الجابر، على بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة والرئيس أمين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع الذي عاد ليل أمس إلى لبنان مع النائب أنطوان زهرا عن طريق لارنكا. ونقل الجابر رسالة إلى بري من رئيس الوزراء القطري، أكد فيها أن أمير قطر «سيتابع الجهود لإنجاح اتفاق الدوحة وتكريسه»، الأمر الذي اعتبره بري «رداً على بعض التصريحات التي تصف الاتفاق بالهدنة، لا بالحل الدائم». كما نقل الجابر دعوة إلى جعجع لزيارة قطر.

رعد يضع أمانة عند الرئيسووصف اتفاق الدوحة بـ«الإنجاز المهم»، معتبراً أن من أسباب نجاحه أن الأميركي كان أمام طريق مسدود وقت الاتفاق «ولم يكن في إمكانه أن يشترط وأن يضع حدوداً». وتوقع إيجاد حلول لموضوعي توزيع الحقائب الحكومية والبيان الوزاري «حتى لو حصل بعض الخلاف أو بعض التجاذب بين بعض وجهات النظر». وقال: «في النهاية هناك خيارات لها وضع قانوني يجب أن نحترمه جميعاً حتى لو كان البعض تعجبه أو لا تعجبه بعض التفاصيل، وكذلك لا بد أن نراعي توزيع الحقائب السيادية ومطالب الأطراف المختلفين بطريقة يأخذ فيها هذا الفريق شيئاً والفريق الآخر شيئاً آخر»، مؤكداً أن المعارضة «ستناقش الأمور بروحية إيجابية للمعالجة، وأتمنى أن تكون الصورة نفسها عند الموالاة».
كذلك شدد المكتب السياسي لحركة أمل، في بيان لمناسبة عيد التحرير، على «أن المقاومة لا تزال تشكل ضرورة لبنانية ملحة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية المستمرة بمياهنا وأرضنا واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء عزيزة من أرضنا واعتقال عدد من أبنائنا وإخفاء مصير العشرات من شبابنا وتهديد مستقبل بلدنا بالعدوان». وأكد الالتزام باتفاق الدوحة وتنفيذ مندرجاته.
إلا أن المكتب السياسي لحزب الكتائب، الذي استمع من الجميل إلى تقرير عما جرى في الدوحة، ثمّن «غالياً» ما تضمنه الاتفاق لجهة «خطر اللجوء إلى استخدام السلاح أو العنف أو الاحتكام إليه وتحت أي ظرف كان، وحصر السلطة الأمنية والعسكرية على اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة وتطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في كل المناطق بحيث لا يكون هناك مناطق يلوذ إليها الفارّون من وجه العدالة وتقديم كل من يرتكب جرائم أو مخالفات للقضاء». أما المنسق العام لقوى 14 آذار فارس سعيد، الذي زار جعجع أمس مع عميد الكتلة الوطنية كارلوس إده، فقد طرح منذ الآن شعار انتخابات 2009 وهو «سلاح حزب الله»، قائلاً إن اللبنانيين «سينتخبون مع أو ضد السلاح، مع تأخير طرح السلاح، أو مع بتّه فوراً».
ورأى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الذي تلقى أمس اتصالين من شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، ومفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة، أن «أمن اللبنانيين يجب أن يكون في يد الدولة فقط، لا في يد الجهات الحزبية التي تخرج إلى الشارع في كل مرة لإرهاب الناس وترويعهم وإزهاق أرواحهم وإتلاف ممتلكاتهم، وخصوصاً بعد اتفاق الدوحة الذي يعيد إلى اللبنانيين آمالهم واطمئنانهم بإمساك الدولة بزمام أمورهم».

الجلسة الوزاريّة الوداعيّة والرئيس المقبل

على صعيد رئاسة الحكومة المقبلة، وبعد تسمية الجميل للنائب سعد الحريري، قال الرئيس نجيب ميقاتي إن الحريري هو «من يستطيع أن يداوي الجراح ويؤكد الوفاق ويسير في مسيرة السلم الأهلي والنمو الاقتصادي». وشدد بعد لقائه لجنة المتابعة المنبثقة عن لقاء فاعليات وقيادات طرابلس، على وجوب العمل لإنجاز تسوية متكاملة تنطلق من حسن تنفيذ اتفاق الطائف بأكمله والتمسك بروحيته».
وقال النائب زهرا إن القوات اللبنانية ستسمي من تتوافق عليه 14 آذار من بين السنيورة والحريري، وأعلن أن موقفها من الانتخاب اليوم «سيتخذ قبل الساعة الخامسة»، موضحاً أن تأييد ترشيح سليمان «لا يرقى إليه شك»، وأن التحفظ «هو حول وجوب احترام الدستور في كل المراحل والظروف».
وفي جلسة وزارية وداعية، ألقى السنيورة كلمة أشار في مستهلها إلى قرب انتهاء الفراغ الرئاسي الذي حدث في رأيه «بقدرة التعطيل والتأخير والتنكيل بلبنان»، وقال عن الجلسة إنها للتمهيد «لتسليم الأمانة إلى مجلس النواب الكريم ورئيس البلاد»، مبرراً القرارين الأخيرين والتراجع عنهما بـ«أننا نظرنا إلى الأمام، إلى مصلحة شعبنا في العيش بسلام وأمان وازدهار، وكان خيارنا أن نفسح في المجال أمام التغيير والتجربة بالوسائل السلمية والديموقراطية». ووصف درب حكومته بأنه «كان شاقاً وطويلاً، وهو أطول درب في عمر الحكومات التي شهدها لبنان»، كما رأى أنها «أنجزت ما لم تنجزه أي حكومة في إعادة بناء المؤسسات الأمنية»، ذاكراً من إنجازاتها معركة نهر البارد وجريمة عين علق وإعادة «إحياء وجود سياسة خارجية مستقلة وواضحة»، ووضعها على طاولة البحث «مصير العلاقات اللبنانية مع الشقيقة سوريا»، إضافة إلى عقد مؤتمر «باريس 3». وختم مخاطباً الوزراء: «لقد كنتم خير من حمل الثقة والأمانة وسلّمها إلى أصحابها ليبقى لبنان بلداً حراً وسيداً ومستقلاً».
وكان السنيورة قد ترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للخصخصة، في حضور الوزراء الأعضاء، تناول موضوعي استمرار المفاوضات مع مشغلي قطاع الخلوي لجهة تمديد عقدي الإدارة القائمين حالياً، وتطبيق إلغاء بدلات بعض الخدمات الهاتفية الخلوية التي كان قد أقرها وزير الاتصالات، حيث شدد السنيورة على «ضرورة تأمين السعة الكافية لخطوط خلوي جديدة، لتفادي احتكار الخطوط وبيعها في السوق السوداء خلال الموسم السياحي». وأعاد المجلس التأكيد على وضع خصخصة قطاع الخلوي في عهدة الحكومة الجديدة. وأقر، على صعيد آخر، الهيكلية المقترحة لتشركة مؤسسة كهرباء لبنان.
إلى ذلك، تواصل الترحيب المحلي باتفاق الدوحة، الذي رأى الوزير فوزي صلوخ أن نتائجه «كلها إيجابيات، وهذا سينعكس خيراً على لبنان». وقال الوزير طراد حمادة إنه «كان انتصاراً كاملاً للبنان واللبنانيين والعرب والمسلمين». وانتقدت الكتلة الشعبية وصفه بأنه «هدنة مؤقتة»، لافتة إلى أن اللبنانيين يرون فيه «استقراراً وأمناً»، وأعلنت مشاركة جميع نوابها في الانتخاب يوم الأحد. ورأى النائب مروان فارس في الاتفاق «مقدمة أساسية لإجراء إصلاحات هامة على طريق صحة التمثيل كمقدمة ضرورية للخروج من أزمات النظام الطائفي».
ولفت النائب علاء الدين ترو إلى أنه «جنب البلد ويلات الحرب الأهلية». فيما أمل النائب نبيل دو فريج أن يكون قد «فتح صفحة جديدة». ودعا النائب وائل أبو فاعور إلى «مرحلة جديدة في حياة اللبنانيين، لتثبيت السلم الأهلي وترسيخ منطق الدولة». ورأى الحزب القومي أن الاتفاق نجح في نقل تداعيات الأزمة من الشارع «إلى مكانها الطبيعي داخل المؤسسات، وألغى منطق الاستئثار بالسلطة والاستقواء بالخارج على الداخل».


تسليم وتسلّم في ساحة الاعتصام

ديما شريف
التسليم والتسلم الذي يغيب عن قصر بعبدا، حصل أمس في الوسط التجاري. حيث وقف معارضون وموالون أمام المساحات المزروعة في ساحة رياض الصلح، في آخر مراسم إنهاء الاعتصام. صاحب التمثال أدار ظهره لحفل تسليم ساحته إلى البلدية، فيما تختار سيدة أن تحتفي بزغرودة. حشد من الإعلاميين يواكب الحدث، يتوسطه ثلاثة أشخاص بلباس برتقالي. وجيش من العمال السوريين يتابع زرع شتول صغيرة، الأمر الذي يعلّق عليه أحد المعارضين بالقول لزميله «هيك منفرجيهن حضارتنا».
يصل وفد البلدية ومحافظ بيروت ناصيف قالوش قبل نواب المعارضة، فيبادرهم النائب أمين شري فور وصوله: «نحنا ما اتأخرنا إنتو وصلتوا بكير»، وألقى كلمة أشار فيها إلى أن الاعتصام حق دستوري للتعبير عن الرأي، وأكد إعادة الساحتين كما كانتا. ثم تحدث النائب علي بزي فرأى أن منطق الفتنة والحرب سقط، وحان وقت السيادة والحرية والاستقلال. وبدوره، حيّا النائب نبيل نقولا من اعتصموا «وضحّوا من أجل الوحدة الوطنية التي ظهرت في اتفاق الدوحة»، متسائلاً: «من سيعوض عن إساءات السلطة خلال سنة ونصف السنة».
وقبل أن يتسلّما من شري ملف «إعادة تأهيل ساحتي الشهداء ورياض الصلح»، والتقاط صورة تذكارية مع شجرة الوحدة الوطنية، أكد قالوش أن طرقات بيروت وساحاتها للجميع. وقال رئيس البلدية عبد المنعم العريس إن بيروت «قلب الوطن وستبقى موحدة وملتقى الطوائف».