الكسليك ــ جوانّا عازارعلى خطّ الحجاز الذي بنته السلطة العثمانيّة عام 1907، سلك نديم بو حبيب رحلته في القطار من دمشق إلى طهران، ليحصل على دبلوم التصوير من جامعة الروح القدس ــ الكسليك عام 2007
اختار الطالب في كليّة الفنون الجميلة والفنون التطبيقيّة في جامعة روح القدس الكسليك، نديم بو حبيب، تصوير مراحل رحلته في القطار من دمشق إلى طهران، عنواناً لمشروع تخرّجه هذا العام. وقد احتضنت صالة العرض في الجامعة معرضه الوثائقي بعنوان «من فوق السكك الحديدية، Par dessus les rails» يتحدّث بو حبيب عن مشروعه بشغف، فيروي الأسباب التي دفعته للقيام بهذه الرحلة، «كان أمامي خياران، إما الذهاب عبر الخط الحديديّ نحو الشرق إلى إيران مروراً بسوريا وتركيا، أو نحو الغرب وصولاً إلى اسطنبول. إلا أنّني وجدت أنّ الذهاب إلى اسطنبول هو رحلة سياحيّة عاديّة، في حين أنّ الذهاب إلى إيران أثار في داخلي حبّ المغامرة وفرصة للخروج عن المألوف». خطّط بو حبيب للمشروع لمدة شهرين، ودرس تاريخ خطّ الحجاز، إضافة إلى واقع القطار، محطّاته ووسائل الحماية فيه.
وترافقت الرحلة التي استغرقت أربعة أيام، مع عدد من المشكلات، ففي البداية، خشي أن تصادر منه كاميرا التصوير، لكنّه استطاع أن يكون رفيقاً لكلّ من سائقي القطار الثلاثة السوري، التركي والإيرانيّ.
أما المسافرون فجمعته بهم علاقة صداقة خاصّة كما يقول: «ما أعطى المعنى لسفري هو أن أرى عن قرب أشخاصاً مجموعين رغم كلّ اختلافاتهم، يتقاسمون هدفاً واحداً هو اجتياز مسافة الرحلة». ويضيف: «كنّا عديدين، وكلّ شخص منّا يأتي من بلد، ومن ديانات وطبقات اجتماعيّة مختلفة، لكن ما أثار انتباهي هو أنّ كلّ مسافر كان يعيش في عالمه الخاصّ. كنت أحدّق ببعضهم فأراهم حالمين، فرحين، ينظرون بصمت من نوافذ القطار إلى الخارج».
التحسينات، الاستفاقة الفجائيّة، العودة غير المؤكّدة، أحاسيس تشاركها المسافرون ومن بينهم بو حبيب في انتظار الوصول إلى المكان المنشود. ثمرة المغامرة ـــ الرحلة كانت 56 صورة هي لوحات تختصر مناظر طبيعيّة من نوافذ القطار، منها الطبيعة، الخراف، البحر، الجبال، غروب الشمس... وجوه المسافرين، ومنها ما لا يظهر بوضوح، موحياً بالأشباح، تأمّلهم من نوافذ القطار، ممارستهم لشعائرهم الدينيّة... ويعكس بعض الصور الحزن «لأنها تعبّر جميعها عن الحالات النفسيّة التي مررتُ بها في الرحلة»، يقول بو حبيب.
استغرق مشروع بو حبيب سنتين من العمل، وحاز علامة A في الجامعة. ويقول السكريتير الأكاديمي ورئيس القسم السمعي والبصري في كليّة الفنون في الكسليك بول زغيب الذي أشرف على المشروع «إنّ العمل يتوّج مرحلة دراسيّة جامعيّة مدّتها أربع سنوات، كما أنّ اختيار الموضوع كان حرّاً أمام الطلاب، ليستطيع كلّ منهم أن ينتقي موضوعاً يعنيه، يتفاعل معه فيجسّده في الصور».
وعن الموضوع يرى زغيب أنّ الفكرة صعبة ولا يمكن تكرارها بسهولة «وخصوصاً أنّه يرتكز على الريبورتاج الذي يحتاج إلى تحضير وإلى أبحاث من الداخل». وقد استحقّ بو حبيب حسب زغيب علامة A، أولاً لجرأة الموضوع الذي اختاره، ثانياً التقنيّة الجيدة التي اتّبعها رغم الأوضاع الصعبة التي رافقته، ومنها الإضاءة والمحيط الصعب، إضافة إلى مكوّنات اللّون وتركيب الصور.
أمّا عميد كليّة الفنون الجميلة والفنون التطبيقيّة في جامعة الروح القدس الكسليك الدكتور إيلي طعمة فأشار إلى أنّ المشروع «يعكس انفتاح الخيال لدى الطالب ورؤيته للأمور بعين مختلفة».
المعرض الذي افتتح أول من أمس يستمرّ حتى السابع عشر من الجاري في صالة العرض في كليّة الفنون الجميلة والفنون التطبيقيّة في الكسليك، ويبقى أنّ هدف بو حبيب الأسمى هو «أن نلتفت كالدول الأوروبيّة إلى سكك القطار في الشرق الأوسط، فنحن لا نعرف تاريخنا وحضارتنا، دمّرنا سككنا، ويبقى أنّ موقفنا من خطّ دمشق ـــ طهران يقتصر على السياسة».