المنصورية ــ رندلى جبور
«ما بسترجي روح عالمدرسة، خايف من الكهربا...» هذه هي صرخة الطفولة التي أطلقها شربل بيضون (تسع سنوات) مع لكنةٍ في حرف السين تناسب سنّه، بعدما استؤنف العمل في إمدادات التوتر العالي بين المساكن والمدارس في منطقة المنصورية ــ عين سعادة في المتن الشمالي.
القضية ليست بجديدة وهي تشبه قصة «إبريق الزيت» لجهة التوقف ثم العودة إلى نقطة الصفر والانطلاق من جديد مراراً وتكراراً مع طرح التفاصيل نفسها والأبطال أنفسهم. فقد أقرّ مجلس الوزراء في عام 1996 مشروع كهرباء الربط العربي السداسي الذي يربط لبنان بالأردن وسوريا وغيرها من الدول العربية، وبدأ العمل في عام 2001 على «زرع» أعمدة كهربائية ضخمة لإنجاز إمدادات التوتر العالي بين المجمعات السكنية والطالبية في المنطقة.
علت الصرخة، تكثّفت الاتصالات، نشطت التحركات، أُعلنت الإضرابات وعقدت الاجتماعات مع المسؤولين تحت عنوان تخوّف السكان والأهل وإدارات المدارس من أثر حقل كهرومغناطيسي ينتج من 220 كيلوفولت على الصحة والبيئة.
توقّف العمل لمدة وجيزة تشبه «الهدنة» التي يعشق السياسيون اللبنانيون فنّها لندرتها، وعاد اليوم ليثير الخوف مرة جديدة في نفوس السكان والطلاب والمربين.
ينفي المسؤولون خطر الإصابة بالأورام السرطانية وابيضاض الدم والخلل في نسبة المعادن والأمراض الدماغية رغم تأكيد خبراء عالميين مثل روبيرت أشلي خطورة الأمر، وذلك لاتفاق اقتصادي ــ مالي بين الحكومة وشركة فرنسية على ما أشارت الرئيسة العامة ومديرة مدرسة القلبين الأقدسين ــ عين نجم الأخت دانييلا حرّوق التي دقّت جرس الإنذار وقرعت ناقوس الخطر بكلمات تعكس حالة التوتر والتخوّف في نفوس المهتمين بشؤون الطفولة والشباب والصحة والبيئة: «هيدا الهمّ شاغلّي بالي كثير، حرام يتركوا الناس بهاللامبالاة، لازم الصوت يوصل قوي، خايفي تضل الوعود أصداء إعلامية طنانة...».
خمسة آلاف عائلة تلتصق الأسلاك الكهربائية بمنازلها وتسعة آلاف طالب يتوزعون بين مدارس الحكمة والمون لاسال والقلبين الأقدسين وراهبات الوردية حيث تنتشر الأعمدة، أي ما يقارب عشرين ألف شخص يطرحون سؤالاً واحداً مفاده: «إذا ما عم نقدر ننام من صوت صغير بسبب الكهرباء، كيف بدنا نكمّل حياتنا بالخوف والخطر مع كل هالإمدادات؟».
وبانفعال، تكمل مدام صيقلي: «عم نفكّر نبيع ونفلّ، كنّا عم نفتش ع جوّ نظيف كرمال ولادنا وهلّق ندمنا ليش جينا لهون...».
ندم الأهالي على ذنب لم يرتكبوه ولد نتيجة اجتماع السياسة والهواية والمصالح مرة جديدة ضد الإنسان والبيئة ليبدّل في الشؤون الحياتية للمنطقة ووضّحت الأخت حرّوق أن التسجيل هذه السنة في صفوف الحضانة اقتصر على أربع شعبات، فيما كان يتخطى الشعبات الست قبل هذا المشروع «لأن الأهل خايفين يرسلوا ولادن عالمدرسة».
إحدى الأمهات تعقّب بسخرية: «دهنوهن.. شوفوا شو صاروا حلوين.. ونحن حدنا اثنين مش واحد»، وتشدّد «اثنين مش واحد».
صرخة الأهالي عبّروا عنها بصرخة أطلقها السيد المسيح منذ نيّف وألفي سنة عندما قال: «مرتا مرتا تهتمين بأمور كثيرة والمطلوب واحد». «مرتا اللبنانية» في رأي سكان المنصورية تتلهى بشؤون سياسية ضيقة وتهمل شؤون المواطنين الأساسية، ولا تريد أن تعترف بأن صحة الوطن من صحة الأجيال الصاعدة وصحة البيئة، وأن الوطن يتنفّس أوكسيجين الحياة من رئة طلاب المدارس.