حيفا ــ فراس خطيب
قضية اعتقال الإسرائيلي الألماني دانيال شارون في لبنان شغلت أمس الإعلام الإسرائيلي، الذي كشف جانباً كبيراً من حياة متناقضة يعيشها هذا الإسرائيلي، الذي قالت إنه اعتنق الإسلام «وأحب العرب، وخصوصاً اللبنانيين»، مركزة على استبعاد تهمة التجسس عنه


أثار خبر اعتقال دانيال شارون في بيروت، ضجة في إسرائيل، تعاطى معه الإعلام العبري بجدية قصوى، ونشره في المواقع أثناء «عيد الغفران» اليهودي، الذي تُشلّ فيه الحياة في إسرائيل تماماً.
الصحيفتان الكبيرتان «يديعوت أحرونوت» و«معاريف» نشرتا الخبر أمس على الصفحة الأولى، فيما انشغلت الإذاعات والمواقع العبرية في نقل آخر تطورات القضية عن طريق مقابلة أفراد العائلة. فنفى موشيه شارون، والد دانيال، علمه بأي معلومات عن القضية، حيث طلبت منه وزارة الخارجية الإسرائيلية ألا يكثر من الحديث عن الموضوع، وقالوا له: «دعنا نعمل بهدوء». لكن هذا لم يمنعه من الإدلاء بتصريحات، تشير إلى أنّ «سوء تفاهم قد حصل».
ونقل موقع «يديعوت أحرونوت» عن مصادر في وزارة الخارجية قولها إن «هذا موضوع حساس يتعلق بمواطن إسرائيلي يحمل جواز سفر آخر، وجرى اعتقاله في دولة عدوّة، والوزارة تدقّق في الموضوع».
وسارعت السلطات الإسرائيلية إلى مطالبة ألمانيا بالعمل لدى لبنان لإطلاق سراحه. وقال والده لوسائل إعلام إسرائيلية إنه «مقتنع بأن هناك سوء تفاهم»، مضيفاً أن تورط نجله يعود «لإشكالية كونه يحمل جنسيتين، ألمانية وإسرائيلية»، مشدداً على أنه «متأكد من أنه سيتضح بعد وقت قصير بأن ابني لم يمارس التجسس، ولا يقوم بأعمال مخالفة للقانون من أي نوع».
وكان شارون الأب قد توجه إلى غرفة الطوارئ في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وهي العنوان لمثل هذه الحالات، واتصل بوالدته التي تسكن أوستراليا، وأطلعها على الموضوع. وتوجهت والدة دانيال إلى السفارة الألمانية وأطلعتها على مجريات الأحداث للعمل لدى لبنان لاستعادة ابنها، إلا أن لا جديد يذكر.
وأشارت صحيفة «معاريف» إلى أن هناك تخوفات إسرائيلية من أن يكون مصير الإسرائيلي الألماني مثل مصير الحنان تننباوم، بما معناه، أن يجري نقله إلى حزب الله، وأن يكون ورقة مساومة يستغلها حزب الله لإطلاق سراح أسرى من السجون الإسرائيلية. وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى للصحيفة: «لا نعرف أبداً ماذا جرى للشاب، ولماذا وصل إلى لبنان».

دانيال شارون

ولد دانيال شارون في عام 1975 في مدينة ميونيخ الألمانية، لوالدين إسرائيليين. عندما كان طفلاً في سن الثانية، انتقل والداه إلى إسرائيل. تطلّق والداه، وخاضا معركة كبيرة بشأن احتضانه. عاش شارون مع والدته تسيبي متنقلاً بين ألمانيا وأوستراليا. استطاع والده موشيه شارون استعادته عندما كان في سن الحادية عشرة.
عند وصوله إلى الصف العاشر، سافر شارون إلى المملكة المتحدة وتعلّم في مدرسة دولية تابعة للأمير تشارلز. وعاد بعدها إلى الدولة العبرية. خدم في الجيش الإسرائيلي، في إحدى الوحدات القتالية التابعة له. وأشارت «يديعوت» إلى أنّه فرّ من الجيش مرتين «وطرد من بعدها». وأضافت أنه في سن التاسعة عشرة، سافر إلى المملكة الأردنية واعتنق الإسلام هناك.
وتشير الصحيفة إلى أن شارون تعمّق في دراسة القرآن، وتعلم أيضاً اللغة العربية، وصار يتحدث العربية بطلاقة وبأكثر من لهجة. وقال أحد معارفه إنه «ذهب حتى النهاية في كل قرار اتخذه. وذكر أنه قرر أن يكون يهودياً متديناً، ومن بعدها أحجم، واعتنق الإسلام».
وأضاف آخر «داني (دانيال)، يملك شخصية آسرة، لديه معلومات عامة واسعة، يترك انطباعاً جيداً لدى من عرفه. لم يُخفِ آراءه المناهضة لإسرائيل. وحاول إقناع أناس يلتقيهم بآرائه المتطرفة». ويضيف «لم يُخف داني هويته الإسرائيلية، لكن أصدقاءه العرب فهموا أنه ليس جاسوساً، لكنه إسرائيلي يحب نهج حياة العرب».
في عام 1996، أجرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقابلة مع دانيال، تحدث من خلالها عن «خيبة أمله من إسرائيل»، وعن «قراره اعتناق الإسلام». ونشرت الصحيفة أمس مقاطع من المقابلة. وقال «أنا أحب العرب وأحب العربية. أنا أعرف نفسي بأني مواطن إسرائيلي، ولكني أيضاً عربي في مكان ما. في حالات معينة، أشعر بأن لا علاقة بيني وبين اليهودية، أنا مسلم. ومن ناحية أخرى، وبالنسبة إلى اليهودية أعدّ يهودياً». ويعلّل: «أنا لا أصوم في يوم الغفران (عيد يهودي)، لكني أحب السوفغانيا (حلوى يأكلها اليهودي في عيد الحانوكا)».
وتابع شارون: «عندما كنت في سن الخامسة عشرة من عمري، لم أشعر بأني يهودي، حتى الآن، أنا أقرأ الصحف العبرية، أسمع الأخبار، لكني لا أشعر تماماً بالانتماء. ينقصني شيء ما من ناحية اجتماعية. يقولون إن الإسرائيليين منفتحون، لكن هذا هراء. الحقيقة أنه من الصعب الدخول إلى مجتمعهم المنغلق».
وعن تجنّده في الجيش الإسرائيلي، قال إنه كان واضحاً بالنسبة إليه أنه لن يخدم في الجيش الإسرائيلي، «لكن في الوقت نفسه، لم أبتغِ إغضاب والدي. ضمّوني إلى وحدة هندسة قتالية، وعانيت من كل لحظة. بعد شهرين، أبلغونا بأننا سننفذ حملة عسكرية في الخليل. وفررت لمدة شهر، وسجنت من بعدها شهراً. وفررت مرة أخرى لمدة شهر. ومرة أخرى سجنوني. سُجنت خمسة أشهر. ومن بعدها حرروني من الجيش، وكتبوا في ملفي «حرر لعدم ملاءمته».
ويقول شارون: «في سن السابعة عشرة، قررت الذهاب حتى النهاية واعتناق الإسلام. في البداية، كما كل فتى يهودي، لم أعرف شيئاً عن الإسلام. اعتقدت أنه من المخجل العيش في هذه الدولة من دون معرفة دين الجيران. في سن السادسة عشرة اشتريت القرآن، وبدأت القراءة».
وتحدث شارون عن دخوله إلى لبنان للمرة الأولى. فقال: «لقد وصلت إلى بيروت لأول مرة بعد حملة عناقيد الغضب (1996). فبواسطة جواز سفري الألماني، بإمكاني السفر إلى كل مكان. وعندما شاهد موظف الجوازات في المطار جواز سفري، شحب وجهه وسألني إن كنت ابن أرييل شارون، وأجبت بالنفي، فوضع ختماً على جواز سفري وسمح لي بدخول لبنان».
وتابع شارون «إن لبنان هو الدولة الأجمل في المنطقة، رغم أنك ترى في كل مكان بقايا بنايات تعرضت للقصف، وآثار الفظائع التي مرّت على هذا البلد في الحروب». وأضاف «أنا أحب اللبنانيين، وهم أروع شعب في الشرق الأوسط. لديهم جمال وأناقة ليست موجودة لدى أي أمة عربية. فليس هناك أشخاص يتجوّلون مع كرش وبصندل، كما في إسرائيل. بيروت هي عاصمة الملاهي، وفيها حياة ليل رائعة، ونوادٍ ليلية ومطاعم فاخرة، وشواطئ رائعة الجمال».
وقال شارون: «لقد استمتعت في اليومين الأوّلين، وعندها بدأت الحملة (عناقيد الغضب)، وكان الوضع مروّعاً. فقبل كل شيء، كان مقاتلو حزب الله هناك بأعداد كبيرة في كل ركن في المدينة، وكانوا ضيوف الشرف، وكان الوضع مخيفاً». وأضاف: «تنزّهت عند كورنيش بيروت، وحلّقت فوقنا مروحيات كوبرا إسرائيلية، وفجأة انطلق صاروخ من أحد البيوت نحو الكوبرا، ووجدت نفسي أنظر إلى أعلى وأقول بخيبة أمل: أوف الصاروخ أخطأ».
ومضى شارون قائلاً إنه «عندما كنت في بيروت، أخفيت طبعاً أني من إسرائيل، وعرّفت عن نفسي كمواطن ألماني. لكن عندما كنت هناك، وشاهدت الحرب من الجانب اللبناني، عرفت كم يعاني هذا الشعب. فهم يعيشون من دون لحظة هدوء. وفي الفندق الذي نزلت فيه، انقطع فجأة، وبلحظة واحدة، التيار الكهربائي والماء والهاتف». وقال: «لدى اللبنانيين، هذا وضع عادي، لقد اعتادوا على ذلك، وإنه لأمر مؤلم أن ترى هذه الدولة الغربية التي تريد ترميم نفسها ولا تنجح في تحقيق ذلك».

شارون الأب

وشارون الأب هو شخصية معروفة، يسكن في بلدة قريبة من نهاريا. أدار الكثير من المصالح التجارية: بيوت للمسنين، شركات للحراسة، وكان على اتصال دائم مع ابنه، وهو من موّل دراسته العليا في الأردن حسب الصحيفة.
كان والده قد صرّح لصحيفة «يديعوت أحرونوت أنه «من الصعب عليّ قبول قرار ابني اعتناق الإسلام. لا أرى أهمية في حياة مشتركة بيني وبين العرب. هناك خلافات سياسية بيننا. لكن دانيال هو ابني. ولا أستطيع فعل شيء يذكر».
وتروي صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه عندما اعتنق دانيال الإسلام، «تحوّل إلى سيرة المدينة». كان يسير في نهاريا وهو يرتدي كوفية حمراء على رقبته، وتشير إلى أنه في بيت عائلة شارون عملت سيدة عربية تسكن قرية الشيخ دنون الواقعة بجانب نهاريا، «وتعرّف دانيال على الإسلام عن طريقها».