بسام القنطار
قرابة تسعة أشهر انقضت على عدوان تموز، ولا تزال التوصيات الصادرة عن لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في جنيف قابعة في أدراج الحكومة اللبنانية المتقاعسة عن القيام بالخطوات الاستشارية التي طلبتها الأمم المتحدة على عكس استعجالها في مختلف الملفات الدولية الأخرى

اختتم مجلس حقوق الإنسان في جنيف دورته العادية الرابعة التي امتدت من 12 إلى 30 آذار الفائت. حصة لبنان من هذه الدورة كانت صفراًً بالمقارنة مع الدورة السابقة حين احتل القرار رقم دإ-2/1 والمعنوَن «الحالة الخطيرة لحقوق الإنسان في لبنان التي سببت نشوءها العمليات العسكرية الإسرائيلية» حيّزاً أساسياً من مناقشات المجلس. وعرض خلالها تقرير لجنة التحقيق المعنية بلبنان الذي يعتبر أهم وثيقة أممية صادرة عن الأمم المتحدة بعد عدوان تموز 2006.
ووفقاً للفقرة 7 من القرار دإ-2/1، كُلّفت لجنة التحقيق بما يلي: «(أ) التحقيق في استهداف إسرائيل بشكل منهجي للمدنيين وقتلهم في لبنان، (ب) فحص أنواع الأسلحة المستخدمة من قبل إسرائيل ومدى امتثال هذه الأسلحة للقانون الدولي، (ج) تقويم حجم الهجمات الإسرائيلية وأثرها الفتاك في حياة البشر، الممتلكات والهياكل الأساسية الحساسة والبيئة».
وفي الوقت الذي كان فيه مقرراً أن تناقش الدورة الحالية للمجلس توصيات لجنة التحقيق المعنية بلبنان وآلية تنفيذها، اكتفت المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويزا آربور بتقديم وصف موجز للخطوات التي اتخذتها ومكتبها في هذا الشأن.
وفيما ذكّرت آروبور أمام أعضاء المجلس بالقرار 3/3 المؤرخ في كانون الأول 2006 الذي يطلب منها أن «تتشاور مع حكومة لبنان بشأن التقرير وما خلص إليه من نتائج وبشأن ما ورد فيه من توصيات ذات صلة»، أشارت أنها «اجتمعت» مع الممثل الدائم لبعثة لبنان في جنيف السفير جبران صوفان الذي أكد «الولاية الأصلية للجنة التحقيق على النحو الوارد في قرار مجلس حقوق الإنسان دأ-2/1»، وقال «إنه ينبغي تفسير التوصيات في ضوء هذه الولاية».
وأضافت آروبور «اتُّفق على أن يواصل كل من المفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف ومكتبها الإقليمي في بيروت أعمالهما. واتُّفق على أن يعقد في جنيف المزيد من اجتماعات العمل بين المفوضية السامية لحقوق الإنسان والبعثة الدائمة للبنان».
ويفهم من كلام آروبور أن الحكومة اللبنانية لم تقم بأي خطوة عملية منذ الدورة الماضية، أي ضمن فترة زمنية تزيد على ستة أشهر، الأمر الذي يعكس الإرباك والتقاعس في متابعة توصيات لجنة التحقيق في نتائج عدوان تموز من قبل الحكومة اللبنانية.
وتعتبر مسألة ولاية اللجنة من أكثر المسائل التي تثير حفيظة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
فمن الواضح أن لولاية اللجنة حدودها من حيث الاختصاص الشخصي (أفعال القوات العسكرية الإسرائيلية) ومن حيث الاختصاص المكاني (على الأراضي اللبنانية)، وأن هذه الولاية لا تسمح بإجراء فحص كامل لجميع جوانب الصراع، ولا بالنظر في تصرفات جميع الأطراف. فاللجنة ملزمة بالعمل بمقتضيات الولاية التي أسندها إليها مجلس حقوق الإنسان.

صوفان: تخوّف من توسّع الصلاحيات

السفير جبران صوفان أكد لـ«الأخبار» أن «إصراره على الولاية الأصلية للجنة التحقيق ينبع من تخوّف لبنان من أن يتم تفسير التقرير على نحو واسع النطاق، وبالتالي التوسع في الصلاحية التي أُنيطت باللجنة والمحصورة بانتهاكات إسرائيل في حرب تموز لتشمل نواحي عديدة تطال أنشطة المقاومة اللبنانية، وبالتالي توسيع الصلاحيات لتشمل انتهاكات كل من إسرائيل وحزب الله لحقوق الإنسان خلال عدوان تموز». وأضاف صوفان «أن قرار مجلس حقوق الإنسان واضح في إدانة إسرائيل لانتهاكها حقوق الإنسان. ولبنان لم يرتكب جريمة في حق الإنسانية وأي توسيع في صلاحية لجنة التحقيق أو في تفسير التوصيات الصادرة عنها لا يرتكز على خلفية قانونية واضحة، وبالتالي فإن لجنة التحقيق عملت ضمن الولاية التي منحها قرار المجلس وأي توسيع في الولاية يحتاج إلى قرار جديد من المجلس. وبالنظر إلى الحدود الصريحة للولاية المسندة إلى اللجنة، فليس للمفوضة السامية لحقوق الإنسان، حتى لو أرادت ذلك، أن تفسر تلك الولاية باعتبارها تخوّلها أيضاً وبالقدر نفسه التحقيق في أفعال حزب الله في إسرائيل. فذلك يتجاوز نطاق الوظيفة التفسيرية للجنة، ومن شأنه أن يشكل تعدياً على سلطات المجلس».
وتابع «إن قرار الحكومة اللبنانية هو أن يُستفاد من تقرير لجنة التحقيق الذي يعتبر وثيقة تاريخية ضد إسرائيل يمكن أن تستخدم في مقاضاتها في المستقبل».
ولكن ماذا عن التشاور مع الحكومة اللبنانية؟ يؤكد صوفان أن التشاور يجب أن يفعّل من خلال المكتب الإقليمي في بيروت و«أنا أرسلت عدة رسائل إلى وزارة الخارجية وطلبت تحديد موقف الحكومة اللبنانية من التشاور ولكني لم أتلقّ أجوبة واضحة، وبناء عليه فإن الدورة الحالية قد قررت متابعة التشاور وتجميع الأجوبة لعرضها في الدورة المقبلة للمجلس المقرر عقدها من 19 لغاية 29 شهر حزيران المقبل».
ويعتبر صوفان أن التقرير دان بشكل واضح «الهجمات ضد المدنيين أو ممتلكاتهم، والحالات التي حدثت فيها عمليات اختطاف للمدنيين ونقلهم واحتجازهم في إسرائيل. وهذا لا يشكل فقط انتهاكاً للحقوق الأساسية لهؤلاء الأشخاص (الحق في الحياة، والحق في الأمن الشخصي، والمحاكمة العادلة، وعدم التمييز)، بل إنه يشكل أيضاً ممارسة سلبية جداً تقوم بها دولة، وهي ممارسة تخلّ إخلالاً شديداً بالثقافة القانونية المعاصرة».
وعن متابعة مجلس حقوق الإنسان لقضية الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية يؤكد صوفان «أن الموضوع بات في عهدة مجلس الأمن وفق نص القرار 1701، لكن ذلك لا يعني أن يتخلى مجلس حقوق الإنسان عن مسؤوليته في هذا الموضوع، والأمر منوط بإقرار نظامه الداخلي وآلية عمله. وأنا سعيت جاهداً أن يكون هناك بند ثابت في عمل المجلس تحت عنوان تداعيات الاحتلال Implication of occupation، ولحسن الحظ فإن 2 من أصل 3 مشاريع لنظام المجلس تتضمن هذا البند، الأمر الذي يسمح للبنان بمتابعة مختلف القضايا التي تصنّف في خانة تداعيات الاحتلال كقضية الأسرى والألغام والقنابل العنقودية والخروقات البرية والبحرية والجوية وغيرها».

عزام: عامل مشترك

بدوره أكد مدير المكتب الإقليمي للمفوض السامي لحقوق الإنسان في بيروت فاتح عزام أنه تم «إنشاء فرقة عمل مشتركة بين الفروع لضمان اتباع نهج شامل جامع في متابعة توصيات لجنة التحقيق المعنية بلبنان».
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من توصيات لجنة التحقيق تتعلق مباشرة بولاية وكالات وهيئات تابعة للأمم المتحدة والهيئات الحكومية الدولية والإقليمية الأخرى، بل إن بعض التوصيات موجّهة مباشرة إلى مؤسسات محددة، وعن هذا الموضوع يقول عزام إن المفوضية السامية لحقوق الإنسان «بعثت برسائل إلى هذه الوكالات والهيئات توجّه فيها انتباهها إلى تقرير لجنة التحقيق، وبما أن عدداً من الجهات المتلقّية لهذه الرسائل تقوم حالياً بتنفيذ برامج وأنشطة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوصيات فقد طلب منها أيضاً تقديم معلومات عن هذه البرامج وإنجازاتها، ومن المتوقع أن تتاح معلومات كافية للمفوضية عند انعقاد الدورة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان تمكنها من تقديم تقرير عن الأنشطة ذات الصلة بتوصيات لجنة التحقيق التي تقوم بتنفيذها وكالات وهيئات أخرى».
وعن أنشطة المكتب الإقليمي في بيروت، يشير عزام إلى أن المكتب شرع في التعاون مع منسق الأمم المتحدة المقيم غير بدرسون وفرق الأمم المتحدة القطرية وصندوق إنعاش لبنان، لضمان الاضطلاع بجهود إعادة الإعمار بشكل يراعي على النحو الواجب حقوق الإنسان ولا يقوم على التمييز. ولإعطاء هذه الجهود طابعاً منهجياً أشار عزام إلى «إنشاء فريق عمل معني بالحماية ترأسه بصورة مشتركة مفوضية حقوق الإنسان ومفوضية شؤون اللاجئين وسيضم الفريق العامل أيضاً أعضاء المجتمع المدني ومسؤولين حكوميين من الوزارات المعنية وسينظر هذا الفريق في جوانب برامج الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي المتعلقة بحقوق الإنسان، مؤكداً على أهمية اتباع نهج قائم على الحقوق إزاء الصحة والتعليم والسكن وغيرها من الحقوق».
ويضيف عزام أن من مهمات هذا الفريق لفت الانتباه إلى احتياجات المجموعات المستضعفة الخاصة في ما يتعلق بالحماية، وسيناقش توصيات لجنة التحقيق ويولي الاعتبار لتوصياتها عند وضع برامجه. وبالإضافة إلى ذلك يجري تعزيز التعاون بين المكتب الإقليمي ولجنة حقوق الإنسان في المجلس النيابي وقد نُفّذت برامج لبناء القدرات في مجال قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ويجري النظر في تنظيم مزيد من هذه الدورات التدريبية.




أبرز توصيات لجنة التحقيق المعنية بلبنان



المساعدة الإنسانية والتعمير

ــ ينبغي لمجلس حقوق الإنسان أن يشجع اتخاذ المبادرات ويدعو إلى حشد جهود المجتمع الدولي من أجل مساعدة لبنان وشعبه، وأن ينظر في إمكانية تشجيع الهيئات والوكالات والمؤسسات ضمن منظومة الأمم المتحدة على العمل معاً في إطار برنامج شامل ومنسق للتعاون مع حكومة لبنان بهدف تحسين الأحوال المعيشية، ولا سيما في جنوب لبنان.
ــ ينبغي للمجلس أن يدعو الأمين العام إلى إجراء تقويم للمساعدة الإنسانية المقدمة إلى المدنيين من قبل منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية والغوثية في لبنان.
ــ ينبغي للمجلس أن يدعو إلى تعبئة الخبرة المهنية والفنية اللازمة للتعامل مع الكارثة البيئية التي أصابت البيئة البحرية على الساحل اللبناني وما بعده.
ــ ينبغي للمجلس أن يضع إجراء متابعة للتدابير التي يتعين اتخاذها، ولا سيما لإعادة تعمير لبنان وقبل كل شيء للتعويض على الضحايا من بين السكان المدنيين اللبنانيين. ــ ينبغي للمجلس أن يهتم بعناية بمصير الأطفال ضحايا الصراع المسلح. وينبغي للمؤسسات الوطنية والوكالات الدولية المتخصصة أن تعمل معاً من أجل تقديم مساعدة فعالة لحكومة لبنان في تنفيذ البرامج الصحية ومشاريع إعادة البناء، ومبادرات توفير الرعاية الصحية النفسية للأطفال.

احترام القانون الإنساني الدولي

ــ ينبغي للمجلس أن يشجع ويرصد الالتزام بـ«احترام وضمان احترام» القانون الإنساني الدولي من قبل جميع أطراف الصراع، بما في ذلك الجهات الفاعلة غير الحكومية.
ــ من أجل تحديد المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان تحتاج بعض جوانب تصرفات الجيش الإسرائيلي الى مزيد من التحقيق القانوني، بتعاونٍ كامل من قبل كل من الضحايا والجناة.

الأسلحة

ــ ينبغي للمجلس أن يبادر إلى تشجيع اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل إدراج الذخائر العنقودية في قائمة الأسلحة المحظورة بموجب القانون الدولي. وينبغي للمجلس أن يطلب من الهيئات الدولية ذات الصلة، معالجة مسألة مشروعية بعض الأسلحة، وبخاصة الأسلحة التي تستخدم ضد السكان المدنيين بصورة عشوائية، بما فيها الأسلحة التي تستخدم اليورانيوم المستنفد.
ــ ينبغي للمجلس أن يطلب من اسرائيل بقوة أن تسلم على الفور إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وحكومة لبنان معلومات كاملة ومفصّلة عن استخدام الذخائر العنقودية وعن جميع إحداثيات مواقع هذه الذخائر التي أُطلقت في لبنان.

معالجة انتهاكات القانون الإنساني الدولي

ــ من المهم تناول وتشجيع الوسائل القانونية المتاحة للأفراد للانتصاف من انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني خلال الصراعات.
ــ وجّهت اللجنة نظر المجلس إلى الفجوة الخطيرة في القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في ما يتعلق بإمكانية قيام الضحايا بالتماس الجبر والتعويض والحصول عليهما. وفي هذا الصدد، تقترح اللجنة ان يبحث المجلس الإمكانيات المتاحة بهدف إنشاء لجنة مختصة بدراسة المطالبات الفردية.
ــ يمكن تصور إنشاء لجنة تحكيم بين الأطراف المهتمة بالأمر من أجل دراسة قضايا الجبر.