عرفات حجازي
على رغم تصاعد موجة الشحن والتوتر وارتفاع سقوف المواقف السياسية، فإن أفق المعالجة لم يقفل بعد، وهو مفتوح على حركة دبلوماسية ناشطة وعلى اجتماعات تشاورية بعيدة من الأضواء يقوم بها أكثر من طرف لخلق أجواء مواتية لبدء جلسات الاثنين المقبل. ولا يبدي الرئيس نبيه بري قلقاً إزاء المواقف النارية المشتعلة والتلويح المتبادل بالنزول الى الشوارع والساحات، ويعتبر أن اللهجة التصعيدية في ربع الساعة الأخير أمر بديهي، إذ بعدما أفرغ كل طرف ما عنده يفترض أن تقف الأمور عند هذا الحد من دون أن تصل الى الطريق المسدود. ورداً على من يعترضون على حصرية الوقت وحشر المشاورات في زمن ضيّق، يقول الرئيس بري إنه “إذا انطلقت عملية التشاور بعقول منفتحة ونوايا طيبة، بإمكاننا تكثيف الجلسات، وإذا سارت الأمور في منحى إيجابي ودخل النقاش في أمور تفصيلية تتعلق بحكومة الوحدة الوطنية فإن أحداً لن يعترض على إعطاء وقت إضافي لبلورة المخرج الذي يرضي الجميع”.
وفي قناعة الرئيس بري أن الأقطاب متى جلسوا الى الطاولة فإن أجواء التشنج ستتراجع، وهذا بالضبط ما حدث في بدايات الحوار وجولاته الأولى. وينفي وجود مبادرة سعودية بمعنى المبادرة، ويقول إن المملكة من خلال سفيرها عبد العزيز الخوجة “تقوم بمساع خيّرة لدفع الأقطاب والقادة السياسيين الى الحوار والتشاور، وهو زارني وأبلغني باسم بلاده تشجيع كل المسؤولين اللبنانيين على الاستجابة لدعوتي التشاورية، وهو كلام سمعته من كبار المسؤولين في المملكة”.
ويعتبر الرئيس بري أن كل شيء في لبنان محكوم بالتوافق والبلد قام على توازنات ومعادلات دقيقة، يفقد من دونها وجوده واستمراريته، ملاحظاً أن أحداً من الأقطاب الذين تواصل معهم أو تواصلوا معه لم يبد اعتراضاً على قيام حكومة وحدة وطنية، لكنه لفت الى أنه كما تدلّ تسميتها تحتاج الى توافق، ومن هنا لا يرى مبرراً لحركة الاستنفار التي تقوم في هذا الجانب أو ذاك، لا سيما أن الجميع موافق على عدم إسقاط الحكومة وإنما على تعديلها أو توسيعها مع الإبقاء على الأكثرية فيها لفريق 14 آذار. ومن الطبيعي أن لا يكون للتغيير الحكومي أي معنى إذا لم تضمن المعارضة الحصول على الثلث المعطّل أو الضامن لتحقيق مشاركة فعالة في القرارات المصيرية وهو ما ترفضه الأكثرية وتعتبره سلاحاً في يد المعارضة لإسقاط الحكومة ساعة تشاء، عدا عن أنه يعطيها القدرة على التحكّم بمسار الأمور وتعطيل العمل الحكومي وشلّه متى تشاء”.
وتقول مصادر مطلعة على سير المفاوضات ان فريق الأكثرية “لا يمانع بإدخال التيار الوطني الحر الى الحكومة، لكنه يرفض تعديل التوازن السياسي والمعادلة الحكومية القائمة، في مقابل إصرار المعارضة على تغييرها. ورغم التباعد بين فريقي الأزمة حول الثلث المعطّل، فإن الوسطاء يعملون على اعتبار حصة الرئيس بري بمثابة الميزان الذي يمنع الأكثرية من امتلاك الثلثين والمعارضة من امتلاك الثلث المعطل، في مقابل تراجع المعارضة عن طلبها تمثيل قوى سياسية لها حيثية شعبية واقتصار التعديل الحكومي على إدخال التيار الوطني الحر.
وتضيف المصادر المطلعة على سير المفاوضات أنه تُرك للرئيس السنيورة وفريق الأكثرية الاختيار بين تعديل حكومي يُبقي على صيغة الـ24 وزيراً مع تبديل في الأسماء والحقائب وبين توسيع الحكومة لتضم 30 وزيراً بدأ البحث في أسمائهم وانتماءاتهم.
ونفت المصادر وجود مقايضة بين تسهيل ولادة حكومة الوحدة وتمرير قانون المحكمة الدولية، معتبرة أن هذا الأمر في يد الأمم المتحدة، وبعد التعديلات التي أدخلت على مشروع المحكمة لم يعد هناك أي مبرر للاعتراضات، إذ وضعت معايير قانونية واضحة لاختصاص المحكمة وصلاحياتها، وبالتالي إذا كان هناك من ملاحظات فيمكن تجاوزها، ولا مشكلة في إقرار نظام المحكمة لا في الحكومة ولا في المجلس النيابي.
واستناداً الى سفير عربي متابع بدقة للأوضاع اللبنانية فإن اشتداد الأزمة الداخلية وتراكم مكوّناتها وعناصرها ناتج عن تقاطعها مع أزمات المنطقة ومع التأزم في العلاقات العربية - العربية، خصوصاً القطيعة بين سوريا والسعودية، ولم تنجح الجهود التي بذلها البعض في إعادة وصل ما انقطع بين البلدين وإن كان الرهان لا يزال قائماً على إعادة المياه الى مجاريها بين البلدين وما يعكسه صفاء العلاقات بينهما من توفير مخارج وتسويات لكل القضايا الخلافية بين اللبنانيين.
ويقول الدبلوماسي إن طرفي النزاع “محشورون، وباتوا أسرى مواقفهم وسقوفهم السياسية المرتفعة، وبالتالي هم في حاجة الى مبادرة الرئيس بري لجسر الهوّة والخروج من المأزق، وبالتالي لا مندوحة من تقديم تنازلات متبادلة في ملف حكومة الوحدة الوطنية، وإن حفلة عض الأصابع ستتراجع مع بدء جلسات التشاور الاثنين المقبل”.
ويحذر الدبلوماسي من لعبة الشارع، ويعتبر أن تداعياتها ستكون خطيرة، وأن أي جهة مهما كانت قدراتها على الضبط والتحكّم عالية فإنها غير محصّنة من مندسّين يحرفونها عن غاياتها وتحويلها الى شغب وفوضى. ويختم بالقول إنه رغم الصخب والضجيج فهو متفائل لسببين، أولاً لأنه يراهن على مهارات وقدرات الرئيس بري في تربيع الزوايا وضبط اللعبة، كما يراهن على هدوء الرئيس السنيورة واتّزانه ونبرته المعتدلة في التعاطي مع الشأن السياسي، وهو الأقدر على تحمّل المسؤولية في هذا الظرف الصعب.