بسّام القنطارلم يكن الانتظار صعباً وطويلاً هذه المرة، لا بل إن الساعتين ونصف الساعة التي قضيتها مسمراً على كرسي قبالة المنصة التي سيطل عليها السيد حسن نصر الله مرت بسرعة قياسية.
أنظر من حولي فلا أرى إلا عيوناً شاخصة إلى باب يقف عند مدخله "دانيال" مرافق السيد ذو اللحية الكثيفة، والعيون الثاقبة كالصخر. لكن ابتسامة دانيال في هذا اليوم لم تفارق وجهه... إنه يوم الانتصار.

كل شيء استثنائي في مهرجان الانتصار، الناس أكثر، والهتاف أعلى والعيون تقدح بالتحدي، بالحزن، بالفرح، بالغضب، بكل شيء إلا الهزيمة. كل لحظة تمرّ تشعر بأن وجهك مليء بالوجوه، وبأن يدك ستهرب من أصابعها لتلتقي أيادي الآلاف الذين لم يملّوا الهتاف منذ الصباح "لبيك يا نصر الله".
دقّت ساعة الصفر. يمسك دانيال بالقماشة البيضاء ليكشف منبر الانتصار، وفي الزاوية الأخرى يحضر منبر آخر. دقائق تمر وتنفتح الستارة ليخترق السيد الجموع، كان الكل يريد أن يكحل العين برؤيته، حتى قيادات الصف الأول في حزب الله كانت تشخص إليه كأنها تراه للمرة الأولى في حياتها. الناس يبكون والسيد يبتسم، لم تكن دموعاً خجولة، انه بكاء المحبة والشوق. يرفع السيد يده اليمنى فيرفع الناس الأيدي، يرسمون شارات النصر، يهتفون ويصرخون حتى انقطاع النفس.
يعتلي السيد المنصة، دقائق قبل أن تهدأ الجموع، ليبدأ بشكر "أعز وأغلى الناس" الذين تحدوا الخطر وجاؤوا رغم التهديد والتهويل بقصف المهرجان. الصمت يطبق على المكان، رغم ملايين الأنفاس المحتبسة. وحده عصفور صغير قرر أن يكسر هيبة الموقف، ويقدم إلى السيد تحية خاصة. يتجه مرفرفاً بجناحيه الصغيرين باتجاه المنصة، يدور مرتين أمام المنبر، وعندما التفتت إليه الجموع، غادر مسرعاً ليجلس على غصن شجرة قريبة.
عصفور النصر كان هناك، حيث احتشد كل المنتصرين. عصفور يختصر أحلامهم وحبهم وشوقهم، عصفور يختصر رحلة كسر القيود وتحطيم الزنازين، يختصر وعد المقاومين الصادقين.