محمد شعير
«مقدّمة» لقصيدة النثر من القاهرة

«كانت البذرة الأولى لتلك المجلة تقترب كثيراً إلى عنوان يبدو أكثر صلفاً وتحدّياً». هكذا تفتتح هيئة تحرير مجلّة «مقدمة» أول أعدادها. المجلة تعنى بقصيدة النثر التي ما زالت تبحث في مصر عن منابر تحتويها. ولأنّها ما زالت بعيدة عن اهتمامات المؤسسة الرسمية نشراً، فإن قصيدة النثر وجدت في مجلات «الماستر» أو المجلات الخاصة ملاذاً آمناً للنشر.
«ما بعد الشعر» هو العنوان الأوّل الذي اختارته هئية التحرير التي ضمّت: محمود قرني، غادة نبيل، عاطف عبد العزيز (مصر) سامر أبو هواش (فلسطين)، محمد فؤاد (سوريا) وكان رهناً بالأفكار الجامحة التي ترتبط بالـ«ما بعديات» المتصارعة، بداية من ما بعد الحداثة... ولكن تم الاستقرار لاحقاً على «مقدمة» لتبتعد بذلك عن الصدام مع كثرة من «الشعراء والنقاد الذين يعتبرون أنفسهم حراساً على لغة هم أنفسهم من
قتلها».
لكنّ الصدام لا يزال قائماً في «المانيفيستو» الذي تصدّر المجلة، عبر رصد ملامح تميّز الشعرية العربية في لحظتها الراهنة عما سبقها: «محاولة النص الجديد ترسيخ عدد من المفاهيم حول تعدّد المرجعيات الحضارية والثقافية بما فيها العودة إلى الهويات الصغيرة والهامشية، وبالتالي عدم ارتباطه بالثقافة الأوروأميركية أو الفرنكوفونية، وخروج النص عن الوعي الرسولي ولغته المتفجعة، إعادة الاعتبار إلى دور التلقي وهو ما يعني الاعتداد بفكرة الدور أو الوظيفة التي يمكن أن يلعبها الفن في حياتنا. وأخيراً لا يسعى النص الجديد إلى التبشير الذي حمل راياته الشاعر القومي، فتحول الشعر معه إلى سوط في يد السلاطين».
ورغم أنّ المجلة انتقدت بشدة ما سمّته «الخطاب الريادي» الرافض لقصيدة النثر واعتبرته «موقفاً أصولياً، يرفض خطاب المستقبل»، إلا أنّ المجلة خصّصت ملفها الذى حمل عنوان «رموز» للشاعر اللبناني أنسي الحاج، وقدّمت مختارات من شعره، فضلاً عن ست دراسات نقدية اعتبره فيها أمجد ناصر «شاعر اليأس
والرجاء».
أما رفعت سلام، فيرصد المفارقات التي يثيرها نشر الأعمال الكاملة لأنسي في مصر: «إشارة إلى القبول النهائي المتأخر كالعادة لقصيدة النثر من جانب المؤسسة الرسمية». بينما يقارن عبد المنعم رمضان بين «الشاعر الوحشي والشاعر المستنأس» راصداً تجربة أنسي. ويكتب محمد بدوي «من شعر الشر إلى شعرية الهبة» راصداً فيها سعي مبدع «لن» إلى «إنتاج قصيدة تسعى إلى إنقاص الدلالة، وربما إبطالها ومراوغتها والتشويش عليها عبر
اللعب».
أما الشاعر علاء خالد فيؤكد أنّ أنسي في شعره ونثره يقف ضد «ما بعد الحداثة بشكلها السياسي والاستهلاكي المطروح، لكنه مع الحداثة التي لا تسلب الإنسان شروط وجوده واستمتاعه بالحياة وبحدوده البشرية». وأخيراً، يكتب محمود قرني تحت عنوان: «أنسي: محاولة إنقاذ الأبناء من سوء الفهم».
أما في باب «جسور» المهتم بتقديم أشعار كتبت بلغة أخرى فيقدم سامر أبو هواش مختارات من قصائد الشاعرة الأميركية كيم أدونيزيو (1954)، كما تضم المجلة أبواباً أخرى للمتابعات وللإبداع «بشرط أن يكون فقط قصيدة نثر».
«مقدمة» قد تثير العديد من العواصف، والمعارك أيضاً. لكنّ الرهان على مدى استمراريتها في المقاومة، وخصوصاً أنّ مجلات كثيرة شقيقة سبقتها لم تتمكن من مواصلة الصدور.