خليل صويلح
هناك اتهام جاهز يطال الكتابة الجديدة دائماً، وخصوصاً تلك التي تتوغل في المحرّم: انظروا، هناك من ينشر الغسيل الوسخ على حبال الغرب، طمعاً في الشهرة والترجمة! كأن مهمة الأدب نشر الغسيل النظيف فقط. كتابة نظيفة كهذه فائضة عن حاجة قارئ اليوم، فهو لا يحتاج، على أية حال، إلى نصائح وحكم. لقد انتهى زمن القارئ الذي يغفو على مخدة المنفلوطي «تحت ظلال الزيزفون». فالفضيحة تتجوّل في الشوارع، وليس مطلوباً من مبدع اليوم أن يغلق عينيه عما يدور في أذهان شخصياته ويخترع عالماً طهرانياً على الورق كي يرضي مزاج الرقيب، ويتجنب المحاكمات الجائرة.
بعض آباء الرواية العربية ارتدوا فجأة عمامة الفضيلة بعد اكتشافهم عدم فائدة «فياغرا» السرد في شحن نصوصهم بما هو مختلف وراهن. فقد ناوشوا التاريخ طويلاً واستعادوا أمجاد الأسلاف وراودوا القضايا الكبرى والهزائم وأندلس الفردوس وأفلام الأبيض والأسود والعتابا والميجنا والمواويل الجبلية وحنين الربابة. وها هم يفصّلون أخيراً في الوقت الضائع، ما يجوز وما لا يجوز في كتابة الرواية على طريقة اللغويين «قلْ ولا تقلْ» في محاكم تفتيش جديدة وظلامية تشبه حال الطقس في الخريطة العربية الممزقة. كما تُذكّر هذه المحاكمات، بما حصل في أوروبا قبل نصف قرن أثناء محاكمة دي إتش لورانس بسبب روايته «عشيق الليدي تشاترلي» التي صارت اليوم نصاً كلاسيكياً، تُطبع منه سنوياً آلاف النسخ في مختلف لغات العالم بما فيها العربية. كأن قدر المبدع العربي أن ينهي حياته بأداء العمرة الثقافية، ليغلق صندوق الذكريات على طيش الماضي وعبث الشباب نحو نهاية سعيدة تليق بألعاب العمر المتأخر.