بيار أبي صعب
أنسي الحاج في السبعين؟ لا بد أن في الأمر خطأً ما. هذا الشاعر، بما لا يترك مجالاً للشكّ، في أوائل العشرينات... حيث تركناه (أو بالأحرى حيث تركَنا) عند صدور مجموعته الشعريّة الأولى، عاماً كاملاً قبل ولادة كاتب هذه السطور!
لا يمكن أنسي الحاج، مهما حصل، أن يتجاوز عمر “لن”، وإن تجاوز نبرتها الوحشيّة وحدّتها الكابوسيّة إلى لغة مترقرقة، تصفّت مع الوقت في سيرورة فلسفيّة هادئة. قصيدته حافظت على منطق القطيعة نفسه، مع “السلطة”، بلغتها ومنطقها وأدواتها. صحيح، لا أحد ينكر، لقد مرّ وقت ما على الأرجح... لكن ما دخلنا في ذلك؟ الشعر له منطق آخر. والشاعر هو حيث نريده، حيث نعرفه، حيث نحتاج إليه. وخصوصاً أنسي الحاج. لأنّه شاعر خارج سلطة اللغة، أي تاريخيّتها. خارج الزمن إذاً. كتب ــ كما باح للشاعر السوري نوري الجرّاح في لندن، ذات يوم من عام 1988 ــ من دون أن يقصد أنّه الشعر (الشهادة على موقع “جهة الشعر” www.jehat.com). “لم يكتب ليصرع الأدب العربي، أو ليدمر التراث، أو ليخرب اللغة... بل ليعبّر عن حب، وبكل بساطة، لتنشر النصوص في جريدة يومية...”.
من يستطيع أن ينكر أن هذا المراهق المتأخر، لم يفعل شيئاً آخر غير مواصلة “الانتفاضة الفنيّة والوجدانيّة” نفسها، كما وعدنا في مقدّمة “لن” الشهيرة؟ شاعر “قصيدة النثر” الذي له اليوم أحفاد وورثة على امتداد رقعة الضاد، المحاصرة والمأزومة أضعاف ما كانت عليه في ستينيات القرن الماضي، يمضي في مشروعه: «اختراع متواصل للغة»، توليد النضارة من خارج النسق، دائماً بين “تشوّش ونظام”، “فوضويّة هدّامة و... قوّة تنظيم هندسيّ”. إنّه أنسي الحاج. نحن نحتاج إليه كذلك. الشعراء الجدد في مصر يلجأون إليه هرباً من شظف اللغة الميتة، المثقلة بالجثث والأصنام. “يا حبيبتي صلّي لي كي أحسن دعوتهم إلى العيد (...) فالطريق حبيبتي/ قادم من انتظارها لي/ قادم من رجوعي إليها/ إلخ” (الرسولة...). من قال إن أنسي الحاج ليس عربياً؟ إنّه “عربي ضدّ العروبة” بتعبير الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي. إنّه في كل الأحوال مراهق في السبعين... تماماً حيثما نحتاج إليه!