نور خالد

المشهد الفضائي اللبناني والعربي قبل تموز (يوليو)، هو غيره بعد ذلك الشهر الدامي الذي قلب المعادلات، وأعاد توزيع “المحاور”، وأفرز مفردات جديدة في تعامل الإعلام المرئي مع جمهوره... المتغيّر هو الآخر! لعلّه كان العام الأكثر «واقعية» منذ انطلاق الألفيّة الجديدة، في السياسة كما في المنوّعات! عامَ وجدت الفضائيات العربية نفسها أمام حرب جديدة مع إسرائيل، ألهبت الشارع العربي... وشهدت اندحار الغزاة. لكن اطمئنوا، التلفزيون بخير... يخبّئ لكم أفكاراً مبتكرة للعام المقبل: لمسة سحرية لـ«الأخبار السعيدة» فقط. ولكم حرية مشاهدة ما يناسبكم... على الهاتف المحمول!

آلو 2007؟ هنا 2006... نحن قادمون

حظيت البرامج السياسية هذا العام باهتمام متزايد بلغ حدّ النفور. تسبّب كثير منها بردّة فعل. القصف المركّز يدفع الى الاختباء والبحث عن ملجأ. هناك مواكبة لحظوية خانقة للحدث. الحدث في كل مكان، في كل ثانية، لا يهدأ ولا يستريح. الدم والمجزرة والقصف والنفَس الذي يخرج من ساحات بغداد وبيروت وطهران ونيويورك والصومال. كلها مراقبة، تبثّ لحظة بلحظة. “الجزيرة” صار لها مراسلون في غابات الامازون. اقتحمت ماكينة قطر الاعلامية الهادرة كل المساحات الغامضة. تلك كانت إلى وقت قريب جزءاً من مخيلتنا، حكاياتنا ومبالغاتنا. المتعة الخفية التي نشعر بها ونحن نكذب بادعاء المعرفة. الشاشة، ابنة جلدتنا العربية، هذه المرة، لم تعد تتيح لنا المجال كي نتخيل. خيالنا ما عاد قادراً على التنفس. خيالنا بحجم 21 انشاً. تسلبه الشاشة، تعاود تشكيله، تسربه لنا وتغذيه. المفاجأة؟ سيصبح خيالاً آخر لا يمت لنا. خيال جماعي، كما خيال الشعوب المستكينة الى أنظمة ديكتاتورية. ألم تصبح “الجزيرة” ــ لكثرة مهنيتها ــ ديكتاتورية؟ وإلّا كان هناك فرق بين نشرات أخبارها وبين برامجها السياسية. ردّة الفعل؟ قنوات جديدة تحمل شعار “الأخبار السعيدة”. هذا تمرد احتاجت الصحف الورقية الى عقود لكي تلبسه. ذرفت أطنان الحبر الاسود على كوارث الدنيا، قبل أن يظهر من يقول، ماسحاً دمعته: “حسناً، حان الوقت لنقدم صحف الأخبار السعيدة”. هكذا، اجتاحت السوق العربية صحف تهتم فقط بالأحداث الايجابية.
ايهاب حمود، مدير برامج في قناة “الآن” التي بدأت بثها من دبي قبل خمسة أشهر، ينتقد حالة الإغراق التي يسببها طوفان السياسة. يسعى الى “الأخبار السعيدة”. يقول واثقاً: “هذا لن يكون توجّه محطة “الآن” فحسب، بل الطابع الذي ستتسم به الشاشة في العام المقبل”. هل نصدّقه؟ لنتفاءل. ونطمئن الى تزايد أصوات الجمهور النابذة للمادة التلفزيونية المعروضة حالياً. صرخات تجد من يصغي اليها بانتباه. المعلنون ينتقدون “فقر” المادة التلفزيونية العربية. انطوان الشويري، يعرف الكثير عن التلفزيون. نصدقه حين يقول إن العام الجديد سيكون حاسماً. سننطلق الى مجاراة التطورات أو نموت. التطورات تعني تقنية وفكراً. في الشق الاول، هناك بشرى لافتة: عناوين عن “الموبايل تي في” بدأت تطل برأسها من الصحف الصادرة في آخر العام. من دبي، ستبدأ هذه “الصرعة”، كما هي الحال بالنسبة الى كل التقليعات في المنطقة، في السنوات الاخيرة. بيروت لم تعد تنشر “تقليعات” جديدة. هي مهمومة بالحفاظ على هندامها “الممزق”، وبأقلّ خسائر ممكنة من الثقوب. أما القاهرة فتحتاج الى مال أكثر وفساد أقلّ. دبي تعلن أن شركتي الاتصالات فيها جهّزتا البنية التحتية اللازمة لكي تبدأ “شوتايم” بثها الى أجهزة الموبايل (الخلوي) مطلع العام الجديد. “سي أن أن” أيضاً، وربما “العربية” و“أم بي سي” قريباً. تلفزيون على الخلوي يعني حرية أكثر وتحرراً من البيت وغرفة الجلوس. التلفزيون يفقد الصالون، أحد داعميه التاريخيين. “صرعة” قد تنطلق في دبي، لكن من أجل خاطر السعودية، دوماً وأبداً. شريحة الاستهلاك الأكبر و“هدف” المعلن. “ال بي سي” الفضائية ستستمر بخطط “السعودة”. هذا يعني الترحيب بعناصر سعودية في الكادر. مسلسلات “تُسحب” من الشاشة السعودية المحلية ويعاد إنتاجها بـ “لوك عصري” مثلما حصل مع “طاش ما طاش”. فتيات “يا ليل يا عين” المغريات لسنَ “تابو” في المملكة. “هكذا هم اللبنانيون”، يقولون في الرياض. و“أل بي سي” لا تسعى الى نقاشات في الهوية، بل يهمها البث. ولذلك سيجعل “فادي” فتحة قميصه المغرية أكثر اتساعاً، إغراء لـ“بنات الرياض”، وسيزيد “راضي” من نكاته ذات “البعد العربي”. فضائية “المستقبل” أثقلتها السياسة. هذا لا يحبه المعلن ولا يحبذه ابن الرياض أو جدة أو القصيم. لكنها مشغولة في الوقت نفسه بالبحث عن الحقيقة، وإنشاء المحكمة الدولية. فكرة ذكية: تنشأ قناة إخبارية، وتكنّس السياسة من القناة الحالية، فتغدو أكثر اشراقاً في وجه المعلن وفتيات القصيم. معلن 2006 ضاق ذرعاً بالسياسة، فقرر التلفزيون ايجاد أفكار أكثر ابتكاراً في عام 2007. “التلفزة جاية”، كما يقول عنوان فيلم مغاربي جديد. لا تريد أن تشاهد نشرة أخبار هي في واقع الأمر برنامج سياسي؟ تتمنى أن ترضي البرامج “ذائقتك” الى الحد الذي تصرخ فيه “يا ألله، كم أستمتع بوقتي. هذا تلفزيون بيفهم على راسي؟”. تريد أن تكون لديك الحرية في الوصول الى ما تختاره أنت، لتشاهده أنت، وفي الوقت الذي تريده أنت؟ لم يكن عام 2006 مرضياً، كفاية، لتحقيق الكثير من الرغبات تجاه “صندوق البث الهادر”. ربما 2007؟ لنتفاءل...




لبنان
  • مهى زراقط

    تحوّلات المهنة: من ريادة الحرية إلى لقمة العيش


    جرت العادة لدى الكتابة عن “جردة” العام الإعلامية أن يصار إلى تعداد الصحافيين الذين قتلوا أو اعتقلوا في بلد ما. وبناء عليه، يمكن القول إن الحدثين الإعلاميين الأبرز اللذين شهدهما لبنان هذه السنة هما: استشهاد المصورة الشابة ليال نجيب في 23 تموز (يوليو) الفائت خلال العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان، وسجن الزملاء في “تلفزيون الجديد” فراس حاطوم، عبد خياط ومحمد بربر بتهمة “السرقة الموصوفة” في 18 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
    لكن هل يمكن الاكتفاء بهذين الحدثين والانتقال إلى تعداد شهداء الصحافة ومعتقلي الرأي في دول أخرى؟ هل يمكن التغاضي عن حدث قد يكون الأبرز إعلامياً، يتعلق بالتحوّلات التي شهدتها ممارسة مهنة الصحافة في لبنان؟ منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005، بدأت بوادر الانقسام السياسي تظهر على وسائل الإعلام ولا سيما في الأشهر الأخيرة التي شهدت غزارة في المقابلات والمقابلات المضادة بين أقطاب السياسة. ووصلت إلى حد مقاطعة أهالي الضاحية الجنوبية قناة “أل. بي. سي” إثر بثّ حلقة من “بس مات وطن” تنتقد الأمين العام لـ“حزب الله” السيد حسن نصر الله. غير أن نقطة التحوّل المفصلية جاءت مع الحرب الاسرائيلية (12 تموز (يوليو) إلى 14 آب (أغسطس). كان كل شيء متوقعاً إلا أن يطاول الانقسام تغطية حرب يتعرض لها وطن بكامله. وهو انقسام ظهر جلياً في اللغة الإعلامية التي اعتمدتها بعض المحطات في الأيام الأولى وحاولت تداركه لاحقاً من دون نجاح. هكذا عزّز عام 2006 الانقسام السياسي، وتكرّس انتقال المتاريس بين السياسيين إلى وسائل الإعلام ولا سيما المرئية منها. كل هذه التطورات لم تكن لتحصل من دون تأثير في أداء الإعلاميين لعملهم. كثير منهم وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة مع كل ما تعلّموه وخبروه من تعريفات للمهنة، أدبياتها وأخلاقياتها من جهة، ومع ضرورة الاستمرار في العمل لتأمين لقمة العيش من جهة ثانية.
    هل يمكننا أن نعدد الإعلاميين الذين يقرأون نشرات إخبارية لا يتفقون مع صياغتها الخبرية إذا غضوا النظر عن مضمونها السياسي؟ هل يمكن تجاهل عدد الإعلاميين المجبرين على صياغة الخبر بطريقة معينة واستخدام مصطلحات لا تمت إلى المهنة؟ هل يمكن أن نذكر عدد الإعلاميين الذين يتعرضون للشتائم والإهانات من المواطنين العاديين بسبب مواقف مؤسساتهم العنصرية؟ وحتى عدد الإعلاميين الذين تورطوا في اللعبة وتحولوا بدورهم إلى أدوات سياسية مهمتها تظهير موقف المؤسسة أو “اصطياد” مواقف معينة بهدف تمرير الرسالة المطلوبة؟
    لا يقل هذا النوع من الممارسة الإعلامية المفروضة على الإعلاميين اليوم سوءاً عن القتل أو الاعتقال. ليس لأنه يصب في خانة “التعنيف” النفسي للصحافي فحسب، بل لأنه يغيّر وجه لبنان الرائد في الحرية الإعلامية. وهذا أخطر ما شهده عام 2006 إعلامياً.




    العراق

    بغداد - سعد هادي

    الانقسام الطائفي انتقل إلى الشاشة بنجاح كبير

    على الرغم من كثرة الفضائيات العراقية سواء تلك التي تبث من داخل البلاد أو من خارجها، لا يتابع المشاهد العراقي سوى بعضها، بل إن كثيراً من المشاهدين يجهلون أسماء هذه الفضائيات. لكنهم يستطيعون بعد دقائق معدودة من متابعتها أن يحددوا الجهة التي تمولها أو تقف خلفها. هذه الفضائيات التي قاربت الثلاثين، تجسد الانقسام الطائفي والعرقي والسياسي في البلاد. كما أنها، على حد رأي الكثير من المحللين، أحد أبرز أسباب التدهور الأمني الذي يعصف بالبلاد منذ ما يزيد على ثلاث سنوات بسبب أدائها الذي يبتعد عن المهنية ويركّز على سلبيات الطرف الآخر.
    تنشغل غالبية هذه الفضائيات بتقديم نشرات الأخبار والتحليلات السياسية والبرامج الدينية من وجهة نظر طائفية: “الفرات”، “بغداد”، “الأنوار”، “صلاح الدين”، “المسار”، “بلادي”... فيما تحاول “العراقية”، وهي القناة التابعة للحكومة أن تلتزم الحياد في ما تقدمه، وتنجح في ذلك مــــــــرة وتفشل آلاف المرات.
    وتحاول قنوات أخرى أن تنوع برامجها وأن تستقطب أفضل الكفاءات الفنية والإعلامية ليكون خطابها مقبولاً في الشارع العراقي. وقد سعت هذه القنوات مثل “الشرقية”، “السومرية”، “البغدادية” في رمضان 2006 إلى إنتاج مسلسلات درامية وبرامج خاصة، تصور ما آلت إليه أحوال العراقيين في هذا الزمن الصعب. ونجحت مسلسلات مثل “ميليشيا الحب” و“ثمانية عشر” و“سارة خاتون” في جذب المشاهدين إليها على رغم فقرها الإنتاجي. أضف إلى ذلك أن برامج مثل “كاركاتير” و “الحكو...مات” و“سجال” و“المختصر” و“عراق ستار” الغنائي، تعدّ من أنجح البرامج التي يتابعها المشاهد العراقي. وقد أثار “كاركاتير” مثلاً استياء قوى عديدة تعمل في الساحة العراقية، وأدى ذلك إلى اغتيال أحد ممثليه وشقيق ممثل آخر قبل أن يهاجر المخرج والمؤلف والممثلون الآخرون البلاد. هناك برامج أخرى يتابعها المشاهد العراقي تقدم على شاشة “الحرة عراق” التي تبث من واشنطن. بعيداً من المضمون، لم يعد بإمكان المراسلين التحرك بسهولة في شوارع بغداد، وشهدت في الأشهر الأخيرة اغتيال عدد كبير من الصحافيين، فيما ضاقت السبل بآخرين ولم يعد أمامهم سوى التقاعد والاختفاء عن الأنظار أو الهجرة.




    مصر

    القاهرة ــ محمد خير

    إنها سنة الكوارث بامتياز

    تماماً كما في السنة الماضية، استحوذ الحدث المحلي على اهتمام التلفزيونات المصرية... وإن كان 2005 عام الحراك السياسي، جاء 2006 عام الكوراث بامتياز. ما زالت قناة «دريم» تحتل المرتبة الأولى لدى المشاهد المصري. وما زال برنامج “العاشرة مساءًً” للإعلامية منى الشاذلي ينال أعلى نسبة مشاهدة، إضافة إلى باقة من البرامج يقدمها الصحافيون الأكثر شعبية: إبراهيم عيسى «من أول السطر»، ومجدي مهنا «في الممنوع»، وائل الإبراشي «الحقيقة»...
    مع ذلك، قررت قناة «المحور» في النصف الثاني من هذا العام، خوض المنافسة. أجرت «نيولوك» لبرامجها، وقدمت برامج جديدة، أهمها «90 دقيقة» الذي جلبت له معتز الدمرداش من «إم بي سي»، ومي الشربيني من «العربية». وعلى رغم أن البرنامج ما زال يحتل المركز الثالث بعد «القاهرة اليوم» لعمرو أديب على الأوربت، و»العاشرة مساءً»، استطاع جذب الاهتمام في الشهرين الأخيرين. إذ استضاف وزير الثقافة إبان أزمته الشهيرة مع الحجاب، ثم عدداً من أطفال الشوارع، تحدثوا بصراحة عن تفاصيل مرعبة. وهو ما دفع «العاشرة مساءً» الى «الردّ» بقوة، مستضيفاً أحد خريجي جمعيات رعاية الأحداث، في جوّ بوليسي عُتّمت فيه ملامح الشاب الذي تحدث عن وضع هؤلاء الأطفال بصراحة أكبر... في الوقت عينه، كان «القاهرة اليوم» يضرب في مكان آخر، باستضافته «عماد الكبير»، سائق الميكروباص الذي تعرّض للاغتصاب في قسم للشرطة. لم يخلُ النقل التلفزيوني للأحداث المحلية من مفارقات، منها الرحلة المهيبة لتمثال رمسيس الثاني الذي تابعت التلفزيونات المصرية نقله من موقعه العتيد في القاهرة إلى إحدى ضواحيها. وبعد أيام، تابعت المحطات نفسها جنازة نجيب محفوظ. وبينما كانت رحلة التمثال شعبية محاطة بالجماهير، استحوذت الدولة الرسمية على رحلة محفوظ الأخيرة، وأعدّت له جنازة عسكرية، خلت بالتالي من البسطاء و»الحرافيش».
    وحين غرقت العبّارة، ركّزت المحطات الخاصة على مشاهد الأهالي الفقراء الباحثين عن جثث أبنائهم، فيما كان التلفزيون المصري ينقل وجوه المشجّعات في بطولة كأس الأمم الإفريقية. غرق الفقراء الذين عجزوا عن دفع ثمن تذكرة الطائرة، فيما دخلت فاتنات الطبقة البورجوازية المصرية إلى الاستاد للمرة الأولى، لأنه لا أحد خارج طبقتهن يمكنه تحمّل أسعار البطاقات المرتفعة.
    أما القنوات المصرية الأنجح عربياً، فما زالت تتوزع بين قناة «مزيكا» لصاحبها محسن جابر، وقنوات «ميلودي» لأشرف مروان، والتي احتدمت المنافسة بينها وبين «روتانا»، بعد تأسيس «ميلودي» للأفلام. واستحدثت «ميلودي» شعار «تتحدى الملل» مقابل «مش هتقدر تغمض عينيك» (شعار «روتانا سينما»). وأخذت تبث تسعة أفلام يومياً مقابل أربعة أفلام في «روتانا سينما» ومثلها في «روتانا زمان»، على رغم أن «ميلودي» لا تمتلك أكثر من 1300 فيلم، في مقابل 2000 فيلم مصري لدى «روتانا». الخطوة الوحيدة التي اتخذها التلفزيون الرسمي في 2006، هي خطوة إلى الوراء. وبعد تطوير متردد السنة الماضية، عاد إلى «الحظيرة»، وتوقف عن استضافة رموز المعارضة. ولم يكرر «جريمة» نقل تظاهرة لحركة «كفاية»، كما فعل السنة الفائتة، فقد انفضّ “المولد” الانتخابي، وعاد الجميع إلى قواعدهم سالمين.




    المغرب العربي

    الجزائر ــ اسماعيل طلاي

    نهاية القطيعة بين “المشرق” و“المغرب”


    يحسب لبعض الفضائيات العربية هذا العام إسهامها في إنهاء “القطيعة” بين أهل “المشرق” و“المغرب” العربي. قبل أشهر قليلة، بدأت “ام بي سي”، “الجزيرة”، “ال بي سي”، وأخيراً “نسمة تي في”، العزف على وتر “المغرب” العربي. قررت فجأة أن “تغزو” المنطقة وتلتفت دفعة واحدة إلى سكانها.
    ويوم أعلن مسؤولو قناة “ام بي سي” السعودية من الجزائر أنهم قرروا ضبط برامجهم على توقيت المغرب العربي، كان السؤال الذي ألحّ عليه معظم الصحافيين هو: ما الذي دفعكم للتفكير في المنطقة الآن؟ الربح المادي، أم نيتكم في نشر ثقافة وعادات وتقاليد سكان بلاد أقصيتموهم طوال السنوات الماضية؟
    في ثنايا تلك الأسئلة لهجة “اتهام” ممزوجة بمشاعر التحسّر والأسى التي ظلّت تطارد معظم سكان المغرب العربي. وهم وجدوا أنفسهم دوماً في خانة “المقصيّ” و“المنسيّ” في برامج الفضائيات العربية منذ انطلاقتها نهاية الثمانينيات، على رغم أن إعلاميي المنطقة شكلوا نواة أساسية لمعظم الفضائيات في مراحل انطلاقتها.
    في رمشة عين، تدفقت الفضائيات العربية على المغرب العربي، وانفجرت نقاشات متضاربة بين الإعلاميين المغاربة حول سر هذا “الولع” و“الهوس” بالمنطقة. وتباينت الآراء بين مرحّب، ومحذّر وغير مكترث للأمر. فيما توقع بعضهم أن تنتهي جميع المحاولات بالفشل، إن بدافع الرفض الذي تلقاه قناة مثل “الجزيرة” القطرية من قبل النظامين الجزائري والتونسي، أو بسبب عامل اللهجة الذي ظلّ أبرز عائق أمام اهتمام الفضائيات العربية بالشارع المغاربي.
    وبعيداً من الهواجس والمخاوف، نجحت الفضائيات الأربع في تخطي المرحلة الأولى من رحلة الألف ميل.
    خلال شهر رمضان المنصرم، حققت “ام بي سي” نجاحات ملموسة بعدما راعت أوقات الذروة في بث برامجها.
    أما “ال بي سي” التي دخلت السباق منتصف الشهر الماضي، فتراهن على برنامج “ستار أكاديمي” الذي لقي إقبالاً كبيراً هنا منذ انطلاق نسخته الأولى. غير أنها تنتظر منافساً جديداً ليس أقل “شراسة” منها: قناة “نسمة تي في” التي تستعد لإطلاق “ستار أكاديمي المغرب العربي” في 4 كانون الثاني (يناير) المقبل. وعلى خلاف القنوات السابقة، تفرض “الجزيرة” حضورها “غير القابل للتفاوض” داخل المنطقة، على رغم أن المهمة تبدو أصعب، نظراً لبرامجها الحوارية “المشاكسة” للأنظمة هنا!
    وتملك القناة نسبة إقبال كبيرة، حتى قبل افتتاحها مكتباً في الرباط. وهي تكتفي في الوقت الراهن بنشرة إخبارية موجهة إلى سكان المنطقة قبل أن تطلق قناة خاصة للمغرب العربي قريباً.
    سباق الفرسان بين الفضائيات في ميدان المغرب العربي انطلق... ونشوة المنافسة تنبئ بانضمام فرسان آخرين إلى المضمار، وخصوصاً أن الظروف مؤاتية، بفضل عدد المشاهدين، ورؤوس الأموال الأجنبية والمحلية التي تتدفق باستمرار على المنطقة. أضف إلى ذلك المناخ الأمني والسياسي الأكثر هدوءاً، مقارنة بما عليه الحال في الشرق الأوسط.




    سوريا

    دمشق ــ خليل صويلح

    فضائية دمشق تجدّد شبابها... ولكن


    تحت شعار «شاشة تجمعنا»، سعت الفضائية السورية إلى تجديد شبابها بأفكار مبتكرة. لكن الحصيلة لم تتجاوز العقلية القديمة في الأداء ونوعية البرامج. المحطة في نهاية الأمر «حكومية»، ولديها قائمة بالمحظورات يصعب تجاوزها، خصوصاً في ما يتعلق بـ»الرأي والرأي الآخر»، وغياب الأسماء المرموقة عن ساحة السجال، كذلك ما يسمى «مباشر». الضيف هنا يعلم سلفاً أن السقف واطئ، على رغم انفتاح الشاشة على مجموعة من البرامج الحوارية السياسية مثل «الساعة الخامسة والعشرون» التي تدّعي «السخونة». لكن المشاهد سيظل يحلم عبثاً بأن يعلو صوت أحد المتحاورين محتجّاً، حتى من طريق «السعال»، فالاتفاق هو سيد الموقف. ونظراً إلى غياب الأسماء المرموقة، سيفاجأ المشاهد دوماً بألقاب لا تخص أصحابها مثل «محلل سياسي» أو «مفكر». ولا أحد يعلم أين يمارس هؤلاء اختصاصاتهم، خارج الشاشة. هكذا تغيب القضايا المعيشية تماماً، والمواجهات الصريحة مع المسؤولين في قضايا المواطنين... الفساد أو الجرائم الاجتماعية، ليس لها مكان، في اهتمامات هذه الشاشة. وحتى قضايا الشباب تختزل بمعالجات سطحية. ولعل المشكلة الأساسية التي تعانيها الشاشة، هي غياب الخطط لبرامجها، واقتحام مجموعة من الهواة مهنة إعداد البرامج، بمن فيهم مذيعات متلعثمات جئن إلى الشاشة فجأة وانتقال مساعد المصور إلى مهنة المخرج والسكرتيرة إلى محررة.
    شاشة بمشية عرجاء، هذا هو التوصيف الأمثل للفضائية السورية، فهي حائرة إلى اليوم، بين الجدية من جهة، والتشويق من جهة أخرى. في برنامج مثل «صباح الخير»، لا يجد المشاهد أكثر من سلة بيض مسلوق. أفكار مشغولة بسرعة، وتغطيات سطحية لمناسبات ثقافية، تعبر في حوارات سريعة، تُصور قبل المناسبة، في آلية تقنية ثقيلة مستمدة من ثقافة أيام الأبيض والأسود. والمشكلة الحقيقية في إعداد البرامج حضور الإنشاء في تقديم المادة البصرية، فهنا لا بد من توطئة من النوع الرومانسي، وهي تتنافى أصلاً مع طبيعة المادة المصوّرة. وكأن الوصف الإذاعي هو الأساس، فتتحول العدسة مرآة صماء في ثبات «الكادر» وحياديته.
    إنها شاشة استديو أكثر منها شاشة هواء طلق. وحين تخرج إلى الهواء الطلق، تتعامل مع المادة البصرية المقترحة بآليات العمل في الاستديو. وأفضل مثال هو الطريقة التي يتم بها تصوير البرامج السياحية الكثيرة على أي حال. لكنها تُكرر بالطريقة عينها، حتى إن المشاهد السوري قبل غيره تفتر حماسته للتعرف عن كثب الى «جمال بلادي». ومن المتوقع أن تفقد الفضائية السورية ما تبقى من مشاهديها المحليين، بعد الإعلان عن انطلاق فضائيتين خاصتين، مع العام الجديد: الأولى باسم «شام»، والثانية «دنيا». إذ لن تواجهها المعوقات الرسمية نفسها، سواء في طبيعة البرامج، أو لجهة المقترحات البصرية، بالإضافة إلى استقطابهما المسلسلات الجديدة، من دون حذف، كما يحصل اليوم في الفضائية الرسمية. هناك إذاً فواتير ضخمة ستدفعها الفضائية السورية. وإذا لم تطور أداءها، ستضع شعار «شاشة تجمعنا» في مهب الغياب.