strong>رنا حايك بعد “عمارة يعقوبيان” التي رآها النقاد امتداداً لجو القاهرة المحفوظي، يستحضر الروائي المصري علاء الأسواني في روايته الجديدة “شيكاغو” مرحلةً أخرى من حياته، قضاها بعيداً عن أزقّة المحروسة.
لم يكن طبيب الأسنان يتوقع كل هذا النجاح الذي حققته “عمارة يعقوبيان”. كانت ملكة الكتابة التي ورثها عن والده الروائي المعروف عباس الأسواني تتجلى لسنوات طويلة على شكل مقالات معارضة ساخنة في صحيفة “العربي الناصري”.
جاء نجاح “عمارة يعقوبيان” في عام 2002 ليشجع الكاتب، فأصدر مجموعته القصصية الأولى “نيران صديقة” في عام 2004. إلا أن نجاح “عمارة يعقوبيان” وتحويلها إلى فيلم لم يغير موقع الأسواني في المعارضة. حتى أنه لم يُدعَ إلى العرض الخاص الذي نظمته شركة “غود نيوز” للفيلم لأنّ جمال مبارك رئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني، كان مدعواً إليه.
لم يفسد النجاح الاستثنائي لـ“عماة يعقوبيان” التزام الروائي أدبياً وسياسياً، بل حثّه على الاستمرار في نبش أوراقه القديمة وكتابة أدب يلامس السياسة ولا يهادن السلطة.
يتخطّى الأسواني في “شيكاغو” التي ستصدر في الشهرين المقبلين عن “دار الشروق”، ما يسميه “رعب الكتابة” الذي سبّبه النجاح الساحق لروايته الأولى “عمارة يعقوبيان”.
يعيد الأسواني، بالتعاون مع جريدة “الدستور” المصرية إحياء تقليد درج عليه روائيّو الجيل السابق: فعلى عكس “عمارة” يعقوبيان التي نشرت على حلقات في مجلة “أخبار الأدب” المتخصصة، نشرت “الدستور” غير المتخصصة في عددها الأخير الحلقة الأولى من “شيكاغو”. إذ إنّ الأسواني صرّح أنه يثق بالقارئ العادي، و“يكتب له وعنه أصلاً”.
“شيكاغو” هي الرواية الثانية بين خمس روايات خطّط لها الأسواني خلال السنوات العشر الماضية. “عمارة يعقوبيان” كانت الأولى طبعاً، تلتها ثلاثة أشهر من التوقف الكلي عن الكتابة بعد النجاح الساحق الذي حققته. إلا أن الاختبار الصعب انتهى عندما أخرج الدكتور الأسواني أوراقه وقرر العمل على “شيكاغو”. تلك المدينة التي قرر علاء، الطالب السابق في كلية “إلينوي” للطب، أنه حتماً سيكتب عنها عندما فتح ذات يوم نافذة غرفته ليقع على مواطنين أميركيين ينكشون القمامة بحثاً عما يأكلونه. رسّخ هذا المشهد قناعته بأن قضية الإنسان واحدة مهما اختلف انتماؤه.
بعيداً عن تنظيرات صراع الحضارات وحوارها، يسعى الأسواني من خلال روايته إلى حث الإنسان العربي على تحديد هويته بالنسبة إلى الآخر، ودفعه إلى رؤية الآخر على ضوء النسبية. فـ“أميركا ليست الجنة كما أن كل الأميركان ليسوا مجموعة من الشياطين”.
ترصد “شيكاغو” قصة مهاجرين مصريين وطلاب في أميركا وجدوا أنفسهم وسط ثقافة غريبة. بعضهم يختار أن ينسى هويته الأصلية ليذوب في المجتمع الجديد، فيما يتشبث بعضهم الآخر بهويته. لكن “شيكاغو” تصوّر أيضاً شخصيات أميركية وتكشف النقاب من خلالها عن القضايا الشائكة في المجتمع الأميركي من التمييز العنصري إلى أزمة الزواج المختلط. وهذا النقد للمجتمع الأميركي جعل الجامعة الأميركية في القاهرة تستبدل المترجم الذي تعاقدت معه لترجمة “شيكاغو”، بعدما اعترض على نصها.
في عيادته التي تقع في “غاردن سيتي” في القاهرة، يؤكد الأسواني أنّ الأدب كان النقطة الوحيدة المضيئة في تاريخ العرب خلال القرن المنصرم: “فشلنا في كل شيء، الأدب كان إنجازنا الوحيد”. إلا أنه إنجاز يفتقر إلى مقومات عدة. “نحن لا نصونه ولا نعرف كيف نقدمه ولا كيف ننقله الى العالم الغربي”.
ويعطي مثالاً ما يحدث في مصر. إذ تكثر المواهب الأدبية التي تفتقر إلى قنوات ثقافية تتيح لها التواجد على الساحة الأدبية في حين تتفرغ وزارة الثقافة المصرية إلى إقامة مهرجانات “طنطنة فارغة” تليق بوزارة السياحة.
في النهاية، قد تحقق “شيكاغو” النجاح الذي حظيت به “عمارة يعقوبيان” وقد لا تفعل، في الحالتين “لن يندم” الأسواني. فالمهم بالنسبة اليه أنه يكتب ما يريد أن يكتبه.