انقلب المشهد الإعلامي اللبناني أمس الأربعاء ليتماشى مع أجواء الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس للجمهورية، فيما بالغت القنوات المهيمنة في إعطائها أهمّيةً توازي أهمّية حصول الانتخاب. بدأت الحوارات منذ الصباح الباكر قبل بدء النقل المباشر للجلسة ولتصاريح النوّاب التي تلتها. كان هناك تركيز غريب على الشكليّات أكثر من المضمون، فدارت النقاشات حول أعداد الأصوات وإذا ما زادت أو نقصت وطرق الاحتساب وغيرها من أمور لا تهمّ المشاهدين أصلاً ولا تقدّم ولا تؤخّر في نتيجة الجلسة ولا في حياة الناس اليومية، بدلاً من الدفع نحو مناقشة البرامج الانتخابية ومواصفات المرشّحين وسياساتهم الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
استمرّت mtv في التجييش لصالح أزعور كما تفعل منذ أسابيع


احتفلت otv بـ«منع» الفريق الداعم لفرنجية من «فرض» رأيه

هكذا، خصّصت «الجديد» وLBCI استديوات ذات تصميم خاصّ للجلسة، واستضافت وجوهاً «حياديّة» مثل الوزير السابق مروان شربل. ولئن حاولت القناتَان اعتماد لغة «موضوعية»، إلّا أنّه بدا واضحاً لدى LBCI رغبة مضمرة في تشجيع المرشّح جهاد أزعور، فنشرت قبل الجلسة أعداداً متوقَّعة للأصوات رجّحت كفّة أزعور على المرشّح سليمان فرنجية بفارق مُعتبر، قبل أن تتبيّن ضآلة الفارق في الجلسة (رغم تقدّم أزعور). وكان لافتاً التلاسن الذي وقع بين مراسلة «الجديد» راوند أبو ضرغم والنائب جورج عدوان خلال كلمته، إذ خرج الأخير متوتّراً على عكس هدوئه المعتاد.
على شاشات «الجديد» وLBCI وmtv، وُضعت جداول تُظهر أعداد الأصوات ووجهتها بشكل واضح للمُشاهد. بالنسبة إلى mtv، استمرّت القناة في تجييشها لصالح أزعور كما تفعل منذ أسابيع، مانحة الكلام لمؤيّديه أكثر من غيرهم، ولو أنّها استضافت وجوهاً مثل الصحافي جوني منيّر والنائب إبراهيم منيمنة. وكان لافتاً أيضاً تعمّد معظم المصوّتين لأزعور ممّن صرّحوا بعد الجلسة، إشارتهم إلى «التخوين» و«نعتنا بحلفاء إسرائيل» واستخدامهم التعابير ذاتها في ما بدا كأنّهم متّفقون معاً.
الإعلام المهيمن (ليس المرئي فحسب) روّج أيضاً لما قام به نوّاب «التغيير» الـ9، بقيادة النائبة بولا يعقوبيان، من تصوير لورقة التصويت كتأكيد على تصويتهم لأزعور. وبالغ هذا الإعلام في تصوير النائبتَين يعقوبيان وستريدا جعجع كـ«بطلتَين» لمطالبتهما بإعادة الاقتراع بعد فقدان إحدى الأوراق الـ128 (بغضّ النظر عن أحقّية ما تطالبان به من عدمها). كذلك، كان هناك ترويج للدراستَين القانونيتَين اللتَين أعدّهما كلّ من المحافظ السابق زياد شبيب والقاضي المستقيل بيتر جرمانوس، وفيهما توقّعا أن يحظى أزعور بـ65 صوتاً من الدورة الأولى، ما يعني فوزه وعدم الذهاب إلى الدورة الثانية، قبل أن يخيب أملهما كما أمل القنوات التي روّجت للدراستَين.
مبالغة في تصوير النائبتَين يعقوبيان وستريدا جعجع كـ«بطلتَين»


المشهد على otv وNBN و«المنار» كان أكثر هدوءاً، إذ نقلت القنوات الجلسة بطريقة عادية كما فعلت في الجلسات السابقة، مع حوارات قبلها وبعدها، لكن كانت لكلّ منها لهجة محدّدة تتماشى مع مواقف الأحزاب التي تمتلكها، وكانت نبرة NBN أعلى بعض الشيء من زميلتَيها، ولو أنّ otv احتفلت بـ«منع» الفريق الداعم لفرنجية من «فرض» رأيه. وحده «تلفزيون لبنان» كان الأقرب إلى «الحيادية»، رغم التخبّط الذي يعانيه وراء الكواليس ورغم إمكاناته المحدودة بالنسبة إلى القنوات الأخرى، فيما حذت صفحات الإعلام «الجديد» مثل «ميغافون» و«درج» حذو mtv، بل زايدت عليها في دعم أزعور و«تخوين» فرنجية على أنّه حليف المقاومة و«النظام السوري»، وهي العبارات ذاتها التي يستخدمها مموّلو هذه الصفحات.

السوشال ميديا تفضح تناقضات «ثوّار تشرين»: «تغييريّون»... على مين؟
قبل أكثر من عام، حطّ في ساحة النجمة حصان «17 تشرين» الأبيض، فنزلت عنه كتلة غير متجانسة من 13 نائباً ارتأوا أن يُطلقوا على أنفسهم صفة «التغييريّين». ولئن استنظرت منهم قاعدتهم الناخبة إحداث خرق في الجدار السياسي اللبناني المسخ، كانت توجّهاتهم الاقتصادية معروفة بشكل عام رغم محاولاتهم لإخفائها عبر تبنّيهم خطاباً «يسارياً» بعض الشيء، ولو أنّ قلّة منهم غرّدت خارج السرب، فكانت رؤياها الاقتصادية غير متناقضة مع خطاب الكتلة «العمومي». وفوق ذلك، لم يعوّضوا سياسيّاً، ولم يحدثوا فرقاً في هذا الشقّ، بل انتهى بهم الأمر بالتشظّي وانشقاق بعضهم ومسايرة «المنظومة» التي ادّعوا انتفاضهم ضدّها، وتبنّوا أساليبها ذاتها التي كانوا ينتقدونها، فباتت التناقضات تعتري تصريحاتهم كما تعتري تصريحات «السلطويّين».

(كريم بنغول)

انطلاقاً ممّا سبق، كان من الطبيعي أن يشعر ناخبو الكتلة بالتململ من تبنّي عدد من أعضائها ترشيح جهاد أزعور الذي يعتبره بعضهم جزءاً من «المنظومة»، إذ رأى هؤلاء الناخبون أنّ الكتلة خذلتم بإخراج تعايشها مع «المنظومة» هذه إلى العلن، ولم تعُد تمثّلهم، وهو ما عبّروا عنه على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيّام الماضية. باستثناء بعض الأصوات «الشاذّة»، فإنّ الكتلة بغالبيّتها أكّدت أنّ «المنظومة» بالنسبة إليها ليست سوى طرف سياسي معيّن لا النظام العفن برمّته. وتبيّن أنّ معظم أعضائها إنّما هم من ذئاب «14 آذار» اليتيمين، متنكّرين بحملان ثوريّين «تشرينيّين». هكذا، أعلنت بولا يعقوبيان ونجاة صليبا قبل يوم من جلسة الانتخاب الـ12 نيّتهما التصويت لأزعور، متسلّحتين بحجج «إيمانه بمنطق الدولة» وقدرته على «إعادة لبنان إلى الحضن العربي وفتح آفاق التعاون مع المجتمع الدولي». وصليبا هي أحد مَن افترشوا دهاليز مجلس النوّاب من أجل «الضغط لانتخاب رئيس»، وهي بذلك تُثبت ألّا مشروع ولا خطّة ولا هدف، بل المهمّ ملء المنصب الشاغر «بالتي هي أحسن»، طالما أنّه ليس من خصوم الطرف الذي ارتضت «مسايرته». لذا لم يعد غريباً أن يسأل الناس على مواقع التواصل وفي الإعلام التقليدي والجديد: «تغييريّون» لتغيير ماذا؟
صحيح أنّه لم يكن خافياً على نوّاب أمثال مارك ضوّ ووضّاح الصادق وبولا يعقوبيان استساغتهم «حلولاً» نيوليبرالية مثل الخصخصة وبيع أصول الدولة و«التقشف» والتعويض على أصحاب المصارف من المال العام ورفع الضرائب عن الشركات الخاصّة وغيرها من ويلات تاتشرية وريغانية، لكنّ التوجّه العام للكتلة كان نحو رفع شعارات مثل استعادة الأموال المنهوبة وأموال المودعين، ورفع السرّية المصرفية، وتوزيع عادل للخسائر، وغيرها من طروحات تُعتبر أقرب إلى الحلول «اليسارية». وقد أثبت بعض النوّاب أمثال الياس جرادة وحليمة القعقور وغيرهما انسجامه في أغلب الأحيان مع هذه الشعارات، إلّا أنّ هذا البعض لم يشكّل رأي الغالبية، وهو ما أوصل اليوم إلى ارتضاء الكتلة أن تكون «بيضة قبّان» بين طرفَي المنظومة (مهما نفت الأمر)، من دون أن يكون لها أيّ تأثير ذاتي يجعلها قادرة على ترشيح أحد بنفسها. في هذه الحالة، لم يكن الخاسر سوى مَن أوصلها إلى المجلس على أساس مختلف تماماً.
لم يعد خافياً استساغتهم اعتماد «حلول» نيوليبرالية


هكذا، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تبرز التناقضات في خطاب الكتلة وأعضائها بين المرّة والأخرى، بالإضافة إلى أخرى «تفضح» جهاد أزعور، ولا سيّما عندما كان وزيراً للمالية، فتمّ التذكير برفضه التعليم المجّاني باعتباره «سلعة»، وامتناعه عن فتح اعتمادات لمؤسّسة كهرباء لبنان ما كبّد خزينة الدولة خسائر كبيرة، وعلاقاته مع «صندوق النقد الدولي» ورياض سلامة، واحتجازه مرسوم زيادة الحدّ الأدنى للأجور، وغيرها من خطوات قام بها تعبّر بشكل لا لبس فيه عن أيديولوجيّته وخلفيّته الاقتصادية بما يتعارض مع ما تدّعيه كتلة «التغييريّين» في خطابها. تذمُّر الناس على مواقع التواصل وانزعاجهم ليس من الكتلة المذكورة فقط، لكن بالنسبة إلى الأفرقاء الآخرين، كـ«التيّار الوطني الحرّ» مثلاً، فرأي الجماهير منسجم مع رأي مَن صوّتت له في الانتخابات النيابية، بعكس جمهور الكتلة الذي انقسم على نفسه بين مؤيّد لما تقوم به ومعارض له. لذا، فمن السهل على الجمهور المؤيّد للتيّار، على سبيل المثال، الدفاع عن خيار التصويت لأزعور، ويمكنه كحدّ أقصى القيام بهجوم مضادّ على المرشّح سليمان فرنجية وداعميه للهروب من التبرير ودرء الانتقادات. أمّا الكتلة، فتتعرّض لنيران (بعض) جمهورها الذي ليس بكلّيّته كمناصري الأحزاب أساساً، بل فيه مَن لا يتبع لجهة وصوّت لها رفضاً لما يعتبره «أحزاب السلطة»، ما يعني سهولة اعتراضه وتغيير رأيه بها ومحاسبتها على خياراتها.



بسحر ساحر... رَضي الإعلام عن «التيّار»
لم تهدأ أخبار الشغور الرئاسي منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. منذ ذلك الحين، تواظب القنوات اللبنانية على الحديث اليوميّ عنه وعن المرشّحين وعن العلاقات بين الكتل السياسية وغيرها مما يتعلّق بحقل الرئاسة المعجمي. لكنّ الأيّام الماضية كانت مختلفة تماماً، ولا سيّما مع دخول الوزير السابق جهاد أزعور جدّيّاً على خطّ الترشيح في مواجهة رئيس «تيّار المردة» سليمان فرنجية، وانقسام مجلس النوّاب عموديّاً بعد إعلان «التيّار الوطني الحرّ» وبعض «التغييريّين» نيّتهم الانضمام إلى قطار المصوّتين لأزعور.
فجأة، بسحر ساحر، لم يعُد للقنوات المهيمنة مشكلة مع «التيّار الوطني الحرّ»، هي التي انكبّت منذ أوائل عهد الرئيس عون على مهاجمتهما سويّاً وإقامة حملة كونية ضدّهما اشتدّت بعد تشرين الأوّل 2019. انتقل تركيزها للهجوم على «حزب الله» فقط، ولو أنّها أُجبرت على قول «الثنائي الشيعي» في الفترة الأخيرة لعدم قدرتها على فصلهما في ما يتعلّق بدعم ترشيح فرنجية.
لكنّ «الجديد» حاولت أن تتمايز وتكون أكثر «واقعية»، فاستعرضت آراء ضيوف من مختلف الخلفيّات، منهم مَن أكّد استحالة وصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة، وآخرون أكّدوا أنّ ترشيح أزعور إنّما هو لـ«حرق» اسمه. القناة التي كانت رأس الحربة في الهجوم على عون والتيّار، خفّفت من حدّة لهجتها ضدّهما، لكنّ ذلك لا يعني توقّف انتقاداتها، خصوصاً لرئيس التيّار جبران باسيل. عرضت القناة قبل يومَين من جلسة الانتخاب الـ12 تقريراً «فنّدت» فيه كتاب «الإبراء المستحيل» محاولةً «فهم التحوّل» الذي طرأ على موقف التيّار في ما خصّ دعم الأخير لأزعور.
على ضفّة LBCI، لم تبرز القناة دعمها لأيّ من المرشّحَين، لكنّها لم تخفِ أيضاً لهجتها ضدّ فرنجية التي كان شابها بعض من الحدّة أو «الجفاف»، ولا سيّما بسبب موقفها من «داعميه». وفي نشرة الثلاثاء عشيّة الجلسة، غيّرت من تسلسل تقاريرها ليتماشى مع أجواء الجلسة، إذ إنّها اعتادت في الآونة الأخيرة على بدء نشراتها بتقارير «سياحية» أو رياضية (خصوصاً عن منتخب لبنان لكرة السلّة)، قبل أن تبدأ أول من أمس بعرض للأعداد التي من المفترض أن يحصل عليها كلا المرشّحَين. أمّا بالنسبة إلى mtv، فلم تخفِ تماهي رأيها مع رأي بعض الكتل الداعمة لأزعور والرافضة لفرنجية والمعارضة لـ«حزب الله».


مضحكٌ... مبكٍ

جورج يؤنّب راوند


خلال إلقاء نائب «الجمهورية القوية» جورج عدوان كلمته مباشرةً على الهواء بعد انتهاء جلسة الانتخاب، حاولت مراسلة «الجديد» راوند بو ضرغم (الصورة) التوجّه إليه بسؤال، فانفعل ورفع إصبعه في وجهها وأمرها بنبرة عالية ألّا تقاطعه. ردّت عليه بأنّها لم تفعل شيئاً سوى السؤال، فغضب وراح يؤنّبها حول «الأصول»، فقالت إنّها تعرف الأصول ليردّ «لا ما بتعرفي». واستمرّ «التناقر» لبضع ثوانٍ قبل أن تدخل مذيعة NBN ليندا مشلب على الخطّ فتوجّه إليها بـ«تأنيب» صغير أيضاً قبل أن يكمل كلمته. تمّت مقاطعة عدوان مرّات عدّة بعد ذلك من جميع الصحافيّين المتجمّعين حوله، وسألوه بطريقة فكاهية حول سبب توتّره وهم اعتادوا على هدوئه بل على محاولاته تهدئتهم، فأعاد الكرّة حول حقّه بالكلام أوّلاً قبل توجيه الأسئلة إليه.

... وجويس لا تعرف سبب «إلغاء» جهاد العرب!
خلال كلامها مباشرةً على الهواء، تساءلت مراسلة mtv جويس عقيقي عن سبب احتساب الورقة التي صوّتت لقائد الجيش جوزف عون فيما ألغي الصوت الذي صبّ لصالح رجل الأعمال جهاد العرب، متناسيةً أنّ العرف يقتضي بعدم سماح طائفة العرب بانتخابه رئيساً. صحيح أنّ الأمر ليس مذكوراً في الدستور، لكنّه بعيد عن الواقع تماماً، وسبب الإلغاء واضح ومعروف!

... وملحم ينقل «تمثيليّاته» إلى المجلس
خلال كلمة قسم النوّاب «التغييريّين» الذي صوّت لصالح جهاد أزعور، تسابق النائب ملحم خلف لخطف الميكرو من زملائه، فراح يذرف الدموع كما اعتاد متسلّحاً بعبارات من قبيل أنّ «البلد لم يعد يحتمل» و«ماذا ننتظر» وغيرهما من «تمثيليّات» تحاول استعطاف الجمهور لصالحه وصالح زملائه، ومن ضمنهم «المعلّمة» بولا يعقوبيان التي لم تصدّق انتهاء خلف من الكلام حتى تأخذ دورها.