يكفي أن تقول جمال العلي (1963)، لتحرز إجماعاً غير مسبوق على دماثته، ومحبة الجميع له، والإشادة بموهبته وخصوصية حضوره. لعلّه من القلّة في الوسط الفني السوري الذين لا يحتاجون للتغيير كثيراً، كي يحقّقوا إقناعاً بليغاً لدى المشاهد. هو يعرف مكامن القوّة في شخصيّته وأدائه ومفرداته التجسيدية، ويدرك جيداً أنّ لهجته «الحورانية» مفتاح لدخوله قلوب الجمهور بالطريقة التي يستخدمها في الكوميديا. رغم أنه ابن مدينة القنيطرة، لكن تلك لهجته الفعلية التي تمتد من حوران إلى الجولان، وقد أدى بها دور «رئيس القلم» في بداياته ضمن المسلسل الكوميدي «عيلة 8 نجوم» (كتابة ممدوح حمادة وإخراج هشام شربتجي)، فحققت له شعبية هائلة جعلته يعتمد اللهجة دائماً. راح لاحقاً يطوّعها لتصبح فاكهة العمل الذي يشتغل فيه، ويزيد عليها العتابا والمواويل التي يلتقطها من تراث سهل حوران ويؤديها بصيغة مترفة بالكوميديا. كما أنه يبرع في إجادة أدوار الشر مستفيداً من ملامحه التي يقدر على تحويلها من منتهى الطيبة التي هو عليها في الحياة، إلى أعمق مطرح ممكن للّؤم.يمكن القول صراحة إنّ «أبا زهير» حبيب الكلّ من دون أدنى شك. وليس في ذلك تقليلاً من صدق ووضوح مواقفه في التعاطي مع محيطه. مشواره المهني طويل وغني، أسرفه على صناعة الفرح والمتعة. ولعلّ أبرز محطّاته الفنية تمثّلت في دوره في مسلسل «ضيعة ضايعة» (كتابة ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو). «الهملالي» كان بمثابة مثال مصغّر عن تسيّد العقلية الأمنية في سوريا وقدرتها على التحكّم في كلّ شيء من دون منافس أو منازع. وحده كان يقدّم دوره بلهجة مختلفة عن البقية، لكنّه لم يقلّ حضوراً ونجومية عن نجوم العمل الأساسيين، وصار معهم جميعهم رفيق الجمهور الذي يحتفي حتى اليوم بهذه التحفة الكوميدية الخالدة.
يبدو العلي في غالبية محطّات حياته المهنية ممثلاً فطرياً، لا يؤدي إلا بمنتهى العفوية والبساطة ومجافاة التكلّف والتصنّع، وهي المفردات المطلوبة بإلحاح شديد عند الحديث عن فن التمثيل بمنطقه المعاصر، وربما يعتبر العثور على ممثل بنقاء موهبته كنزاً لا يجب التفريط فيه. في رمضان الماضي، حصد جمال دوناً عن غيره حفاوةً نقدية، وإجماعاً جماهيرياً على فرادة حضوره وسويّة أدائه في مسلسل «النار بالنار» (كتابة رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز) بعيداً عما أثاره العمل من آراء متباينة وما رافقه من إشكالات ضمن فريقه.
بدايته الفنية كانت على المسرح، وتحديداً من خلال «المهرجان المسرحي للشبيبة» الذي شارك فيه من خلال العديد من المسرحيات، وحصل للمرّة الأولى على جائزة أفضل ممثل في مسرحية «فصيل على طريق الموت»، فيما وصلت مشاركاته إلى أكثر من 20 عرضاً، منها «سفر برلك» و«الغول». كما شارك في تشكيل «فرقة القدس المسرحية» بإدارة زيناتي قدسية الذي قدّم معه عروضاً عدّة في مهرجانات عربية ودولية. خاض تجربة مهمة في فرقة «عمال القنيطرة» مع كل من المخرجين عبد الحميد خليفة ويوسف المقبل. تسلّم إدارة الفرقة وأخرج لها أعمالاً منوّعة قبل أن ينتقل إلى العمل في الدراما التلفزيونية ويسطع نجمه.
بينما كان يحتفل أول من أمس بزفاف صديقه الممثل الشاب لؤي الزعتري برفقة مجموعة ممثلين من بينهم وائل زيدان وعلي كرّيم ومحمد خاوندي وحسام عيد ووليد حصوة وسامر الزلم، كان يبدو عليه التوتّر بالرغم من أنه يحضر عرساً شاميّاً! توجّهنا إليه بالسؤال عن السبب، فقال: «قرأت خبر وفاتي بنفسي». اعتقدنا أنّها إحدى مزحاته المعتادة كونه صاحب روح مرحة وطرائف مستمرة، لكنه أخرج هاتفه سريعاً وراح يطلعنا على الصفحات التي تتداول شائعة لئيمة تُفيد بوفاته بينما هو جالس بيننا. هنا، يقول «الهمالالي» لنا: «الموت حق وكأس سيتذوّقها الجميع، لكنّه من المهين أن هناك من ينشر أخباراً كاذبة من دون تفكير بحرمة البيوت ووضعها الاجتماعي. ابنتاي في الغربة كانتا على وشك الانهيار كي يتسلّى هؤلاء بأرواحنا! على أي حال، لن أقول لمن يروّجون هذه الشائعات سوى الله يصطفل فيكم!».