إيسلندا: جزيرة تقع في أقصى غرب أوروبا من جهة الشمال، وتتبع لها. نادراً ما نسمع أخبارها إلا إذا ثار أحد براكينها كما حصل عام 2010. موسيقياً، بقيت غائبة بشكل شبه كلّي عن الساحة الأوسع من تلك المحلّية، وأول ما قدّمته لناحية الانتشار العالمي كان في مجال البوب الحديث مع المغنية بيورك (1965) مع انفرادها مطلع التسعينيات في تجربتها بعد محاولات ومشاريع فرق سابقة بقيَت محدودة الانتشار. تلت بيورك مباشرةً بضع فرق ذات توجّه فنّي شبابي بديل وحديث، أبرزها «سيغور روسّ» (Sigur Rós) و«غوسغوس» (GusGus) و«موم» (Múm) وغيرها. في الموسيقى الكلاسيكية، لم يقدّم هذا البلد أي تجربة مهمّة في تاريخه، إن كان لناحية التأليف أو العزف وبقيَ حضوره شبه معدوم حتى السنوات الأخيرة. هذا غريب بعض الشيء، عندما نشاهد ما قدّمته اليابان، مثلاً، خلال العقود الأخيرة (والصين بعدها) في هذا المجال، رغم البُعد الجغرافي والاختلاف الحضاري. ربما يعود السبب إلى العدد المنخفض جداً لسكّان هذه البقعة (عشر مرات مساحة لبنان تقريباً) التي لا يعيش على أرضها الساخنة وفي جوّها البارد سوى نحو 320 ألف نسمة فقط.
بقيت إيسلندا غائبة موسيقياً بشكل شبه كلّي عن الساحة الأوسع من تلك المحلّية

فجأة، وبدون مقدِّمات ولا إرهاصات واضحة تُذكَر، ظهرت إيسلندا في المشهد الموسيقي الكلاسيكي الغربي وبعض العوالم القريبة منه (مثل الموسيقى التصويرية). طبعاً إن أجريتم بحثاً معمّقاً ستجدون أسماء لن تعني شيئاً لأحد، مهما كان ضليعاً في هذا المجال، ولهذا السبب لا حاجة لذِكرها هنا وإضاعة وقتكم بها ووقتنا في فكّ طلاسم لفظها الصحيح لكتابتها بشكل سليم باللغة العربية. حتى الصحافة الغربية عموماً وخصوصاً الأوروبية المتخصّصة غير المكتوبة، وجدَت نفسها أمام معضلة لفظ الأسماء الإيسلندية التي تحوي أحرفاً بعضها غريب عن الأبجدية اللاتينية. هذا موجود في أسماء بلدان أخرى، لكن غِنى التاريخ الموسيقي لهذه البلدان حتّم تأقلماً، بات اليوم طبيعياً، مع خصائصها اللغوية (مثل بولندا وتشيكيا والمجر وغيرها). هذا لا ينطبق على إيسلندا، وما التلعثُم العام في لفظ أسماء مواطنيها الموسيقيين سوى دليل إضافي على انضمامها المستجدّ إلى نادي الموسيقى الكلاسيكية. حالياً، هناك أربعة أسماء، ظهرت تباعاً منذ عام 2016، عندما وقّع المؤلف الإيسلندي يوهان يوهانسون (1969 — 2018) عقداً مع إمبراطور الموسيقى الكلاسيكية وأقدم ناشر في هذا المجال (تأسس عام 1898) الألماني «دويتشيه غراموفون». يوهانسون الذي رحل في عمر باكر نتيجة جرعة زائدة على الأرجح، خاض تجارب قليلة في مجال الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام، لكنّ تبنّي الناشر الألماني له شكّل النقلة النوعية في مسيرةٍ لم تطُل. بعده، بدأ يلمع، عام 2019، نجم هيلدور غوذنادوتير (Hildur Guðnadóttir)، أيضاً من باب الموسيقى التصويرية. فعازفة التشيلّو التي عمِلَت مغمورةً تحت عباءة فرق شبابية حديثة في بلدها، انتقلت إلى التأليف وبلغت العالمية مع موسيقى فيلم «جوكر» لتود فيليبس وموسيقى المسلسل القصير «تشيرنوبيل». العملان حققا انتشاراً واسعاً أسهم في تداول اسم واضعة الموسيقى التي رافقت مَشاهدهما، وبتنا نرى اسم المؤلفة في ديسكات كلاسيكية إلى جانب مؤلفين آخرين. أما الدفع الأخير لغوذنادوتير (مولودة عام 1982) فكان الظهور الثمين لاسمها على اللوغو الأصفر لـ«دويتشيه غراموفون» الذي تولّى نشر موسيقى فيلم «تار» (TÁR)، بين اسمَي المؤلفَين الشهيرَين مالر وإلغار (هي، لكتابتها موسيقى خاصة بالفيلم، وهما، بفعل استخدام محوري لعملٍ لكلٍ منهما في سياق الأحداث).
أول ما قدّمته لناحية الانتشار العالمي كان في مجال البوب الحديث مع المغنية بيورك

كذلك، ودائماً في «تار»، نسمع اسم المؤلفة الإيسلندية على لسان كايت بلانشيت (في دور قائدة الأوركسترا ليديا تار، وهي شخصية وهمية غير موجودة في الواقع) في المشهد الذي كانت تعدّد فيه أسماء المؤلفات من الجنس اللطيف في مجال الموسيقى الكلاسيكية (لزوم موضوع الفيلم والجو النسوي العام في العالم). في هذا المشهد أيضاً، تذكر بلانشيت الاسم الإيسلندي الثاني الذي ظهر وانتشر كذلك في السنوات القليلة الأخيرة، آنّا تورفالدزدوتير (Anna Þorvaldsdóttir). هذه المؤلفة (مولودة عام 1977) تبدو أنشط من مواطنتها في مجال التأليف والنشر، لكن في مجال لا يهدي نجومية سهلة، أي التأليف الكلاسيكي المعاصر. في الفترة ذاتها، أي منذ عام 2016، وتحديداً في 2017، وبدون أي إشارة مسبقة حتى للمتابعين الجدّيين لمجال الأداء الكلاسيكي، وبالأخصّ فئة العزف على البيانو، أصدر الناشر الألماني ذاته ديسكاً لعازف بيانو لم يسمع به أحدٌ من قبل: فيكينغور أولافسون (راجع مقالة خاصة به في الصفحة). إنه عازف البيانو المحترف الأول من بلاده: إيسلندا.