منح معلّم التمثيل الأوّل في العالم ستانسلافسكي مساحة يسيرة من وقته للشباب، كي يعلّمهم فن التمثيل بأصول حديثة قلبت مفهوم هذا النوع الأدائي، وخلّصته من الصيغة البرّانية السطحية، ومن الانفعال الزائد في العواطف والمواقف، وأمّنت تعبيراً داخلياً ينبع من الروح. هكذا، أرست قواعد صاحب «حياتي في الفن» أثراً على نجوم التمثيل في العالم، على رأسهم الراحل مارلون براندو. هناك من آمن بهذا الفكر في سوريا، وراح يمنح وقته للمواهب الشابة والهواة، خاصة أنّه حتى الآن تفتقر البلاد الرائجة في الدراما للأكاديميات المتخصصة في فنون عدّة! على سبيل المثال، ليس هناك معهد يدرّس أصول السيناريو ويقتصر تعليم هذه المادة على ما يدرّس في «المعهد العالي للفنون السينمائية». رغبة في سدّ هذه الفجوة، افتتحت رانيا الجبّان (دكتوراه في المسرح)، قبل ثلاث سنوات، معهد «دراما رود» لإطلاق دورات في التمثيل والإخراج والسيناريو، ثم عقدت شراكة مع صديقتها المخرجة رشا شربتجي، لتقديم دورة تدريبية نظرية للراغبين في التعليم. لتصبح رشا لاحقاً شريكة في المشروع على اعتبار أن اسمها بمثابة ماركة مسجّلة للمعهد، وبوابة عبور للطلاب لضمان تخريجهم بصيغة مناسبة، وتحقيق فرص عمل جيدة. ولاحقاً، اقترح المعهد على طلّابه أن يقتطع قسماً بسيطاً من أجورهم بعد تخرجهم في حال أمّن لهم فرص عمل. علماً أن الأقساط التي يتم دفعها لا تعتبر كبيرة قياساً بالظرف الاقتصادي المتهالك والغلاء الفاحش الذي تعاني منه الشام هذه الأيّام.الأسبوع الماضي، دعت إدارة المعهد إلى احتفال لتخريج دفعة من الطلاب في قسمَي السيناريو والتمثيل، حضرته «الأخبار». والمفارقة أنّ الاحتفال اتكأ على شهادات مسرحيين وكتاب وممثلين متخصّصين، أمثال: جواد الأسدي وفايز قزق وريم حنا. حكى هؤلاء عن أهمية التجربة وعمقها المعرفي وإمكانية رفد الصناعة السورية الأبرز بطاقات شابة ومواهب واعدة. ولا سيما أنّ تجربة «دراما رود» حققت نجاحاً لافتاً. علماً أنّ دورات السيناريو مثلاً، تؤسّس لثلاث مراحل، على أن تنتهي بجميع مستوياتها بما يشبه مشاريع تخرّج يقدّم فيها كلّ طالب عمله المكوّن من ملخص وثلاث حلقات، فيما يتخرّج طلاب التمثيل بمشروع مسرحي، بعد إمضائهم الفترات الكافية من التدريب على أيدي أساتذة مختصين من خريجي «المعهد العالي للفنون المسرحية».
محاولة الاستمرار على الرغم من ظروف البلاد الصعبة


احتفال التخرج الذي أقيم في أحد مطاعم دمشق القديمة، واقتصر على توزيع شهادات التخرج من دون طقوس الاحتفال بسبب الحداد على المخرج الراحل هشام شربتجي، حضرته مجموعة نجوم سوريين، من بينهم: عباس النوري، فايز قزق، وائل شرف، رنا شميس، صفاء سلطان، علي صطوف، علا باشا، الكاتب أسامة كوكش وآخرين.
في حديثها مع «الأخبار»، تقول مديرة «دارما رود»، رانيا الجبان، إنّه «هذا العام كانت الظروف صعبة للغاية خاصة على المستوى اللوجستي والاقتصادي. التبدل الهائل بالأسعار وارتفاعها الجنوني إضافة إلى الظرف القلق التي تعيشه البلاد، كلّه كان له أثر سلبي علينا، لكن ما عوّض هو أداء الطلاب وإمكاناتهم المبشّرة وتفاعلهم مع الحالة النظرية والأكاديمية بطريقة عملية تقارب الاحترافية». وتابعت: «وهو ما يخلق حافزاً حقيقياً للاستمرار، إضافة إلى الإقبال الحقيقي والثقة التي تركها معهدنا عند الناس»، مشيرةً إلى أنّه «قطعنا وعداً منذ بداية مشروعنا بأن نبتعد عن الأهداف التجارية ونجرّب قدر الإمكان تبسيط المطالب المادية، وعدم إرهاق الطالب، ومحاولة المشي بثبات نحو تكريس مؤسسة أكاديمية بأصول وقواعد ثابتة، وهذا ما نحرص عليه. رغم السعار الذي يسطو على سوريا من ناحية الغلاء، إلا أنّنا نحاول الاستمرار من دون غايات تجارية... تباركنا جهود مخرجة مكرّسة ومرموقة مثل رشا شربتجي التي تتحمّل الكثير من الأعباء برغبة منها في إنجاح المشروع واستمراره».