تقدّم التشكيلية الكويتية المقيمة في بيروت تمارا السامرّائي (مواليد 1977) مجموعة جديدة من أعمالها في «غاليري مرفأ»، حيث تُعيد النظر في المساحات المألوفة وغير المألوفة، بما في ذلك مساحة اللوحة نفسها. منحت تمارا معرضها عنوان «الوعد الذي قطعته»، متضمّناً سلسلة «الكتاب الأسود» المرتكزة إلى توثيق فوتوغرافي لمذكرات الفنانة، فضلاً عن رسوم لها بالأكواريل تعود إلى الفترة الممتدة ما بين عامَي 2020 و2022. اتّسمت تلك الفترة بالعزلة والأسى ومن ثم التعافي بالنسبة إليها. لطالما كانت الفوتوغرافيا تعبيراً أساسياً لتمارا الرسّامة، فمن خلالها تتمّ «العودة» إلى الرسم والمساحات التي تركتها أو اضطرت إلى تركها.
«أفروديت» (أكريليك على كانفاس ـــ 160 × 200 سنتم ـــ 2023)


Take two, red green buttons (أكريليك على كانفاس ـــــ 160 × 205.5 سنتم ـــ 2023)

من الأماكن التي توثّقها تمارا فوتوغرافياً جدار محترفها أو الاستديو الخاص بها، بغية إعادة إنتاج أثر ما بقي من أيام مرّت في مساحة تعبير غير مستقرّة، أو ما تسمّيه هي «دليل العمل ودليل الحياة». كما تعود إلى لوحاتها القديمة للاستدلال على علامات الغياب.
تتناول لوحات معرضها الحالي علاقتها بفنها، والعلاقة بين التصوير الفوتوغرافيّ والرسم، وهي أربع وثلاثون لوحة ذات حجم متوسط وبتقنيّة الأكريليك على القماش والفحم. تبدو منجزة بالألوان المائية لناحية الشفافية المتجلّية على سطح اللوحة، فتكشف مساراً مرّت به اللوحة قبل بلوغ تكوينها النهائي. هي تعتمد طبقات من الطلاء، ثم تشرع في حكّها وخدشها إمعاناً في التعبيريّة التجريديّة، إنّما المنطوية على واقع وخيال وطبيعة وحتى على لهوٍ ومرح. لا توصل صورة قاتمة أو متشائمة، بل تبغي قبل أي شيء توليد إحساس بالمكان، وغالباً ما يكون هذا المكان أو هذه المساحة المناظر الطبيعية، وليس أفضل من لبنان ملهماً في هذا المجال. علماً أنّها تلمّح أيضاً إلى المساحات الداخلية والعوالم المختلفة.
يجمع أسلوبها بين الاسكتشات السريعة والتجريد ودقّة نقل تفاصيل المكان


يجمع أسلوب السامرائي بين الاسكتشات السريعة والتجريد ودقّة نقل تفاصيل المكان وملامحه، فضلاً عن الكتل اللونية المتعاكسة. شفّافة ورقيقة تمارا السامرائي، تخفّف ألوان الأكريليك وتجعلها فاتحة كي ترصفها طبقةً فوق طبقة، ومشحات فوق مشحات، كأنها آثار مشهد سابق كوّنت فوقه مشهداً آخر من فضاء أبيض وألوان متماوجة. تلفتنا أطياف كأنّها تعبر مساحة اللوحة خفيةً، وهنا جانب من الغموض المحبّب، فالإخفاء ليس حسّياً بقدر ما هو ذاتيّ وسورياليّ. الأكريليك والأكواريل معاً يهبان اللوحة حيوية وكثافةً، ففي سائر لوحات تمارا انسياب لخيوط الطلاء المتدفقة.
تتبع السامرائي مساراً تشكيليّاً مركّباً ومعقّداً قليلاً كي تصل إلى الشكل الختاميّ للوحتها، فهي تطبع صوراً ثم تعمل عليها بالأبيض والقليل من الأسود والألوان، ثم تمحو أشياء لإبراز حركة الأشخاص، والمحو لديها متصل ببياض المساحات المتبقية، بيد أنّ الصور تحتفظ باختلافها المادي الأساسي عن اللون. ما نراه في نهاية الأمر هو التكوين النهائيّ الذي يبدو لنا لوحة عادية لم تخضع لمسار من هذا النوع.

* «الوعد الذي قطعته» لتمارا السامرائي: حتى منتصف أيلول (سبتمبر) ــــ «غاليري مرفأ» (بيروت) ــ للاستعلام: 01/571636