القاهرة | منذ انطلاقه قبل نحو شهر، لم يترك القائمون على «مهرجان العلمين الجديدة» (إحدى مدن محافظة مطروح) فرصة إلا وأثبتوا فيها أنّ الهدف الأول للحدث هو مناطحة «موسم الرياض»، استجابةً لحالة الفتور المصرية ــ السعودية، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وحالة التنافس المشتعلة فنياً. لم يتنبّه منظّمو الحدث المصري إلى أنّ أنشطة «موسم الرياض» لا تقتصر على العاصمة السعودية فقط، وإنّما هناك فعاليات رياضية وفنية وترفيهية عدة تُقام في أنحاء مختلفة من المملكة. ولو تنبّه المصريون إلى أنّ الحفلات التي أثارت الجدل أخيراً، لم تقتصر فقط على الرياض، مثل حفلة «كاسيت 90» في مدينة جدّة، لما نقلوا ربما «مهرجان القاهرة للدراما» من العاصمة المصرية إلى مدينة العلمين أيضاً. اندهش كثيرون من إقامة الدورة الثانية «استثنائياً» في العلمين، من دون التوقّف عند أسئلة وعلامات استفهام ازدادت فور الإعلان عن التفاصيل: لو أُقيم مهرجان ضخم في شرم الشيخ في الصيف المقبل، هل سينقل «مهرجان القاهرة للدراما» إلى هناك؟ وهل يعلم المنظمون أنّ أي مهرجان يكتسب أهميته من المدينة التي يُقام فيها؟ ثم بالنظر إلى أساس القصة نفسها، فإنّ المهرجان ما هو إلا ليلة واحدة وليس مهرجانات متعدّدة الأيام والفعاليات. أي إنّه سيتم نقل النجوم والإعلاميين والمراسلين من القاهرة إلى العلمين ظهراً، والعودة بهم فجر اليوم التالي، ما من شأنه رفع الكلفة أولاً، وجعل بعضهم متمسّكاً بالذهاب باكراً. بالتالي، سيفرض الأمر على المنظّمين توفير غرف فندقية وغير ذلك من تفاصيل لوجستية، كان من الوارد تفاديها إذا أقيم المهرجان في مقرّه الأصلي، متلافياً أخطاء وانتقادات الدورة الأولى.
غير أنّ العكس هو ما حدث. إذا كانت أغلبية أخطاء الدورة الأولى من «العلمين» قد رُصدت بعد انتهاء الفعاليات في أيلول (سبتمبر) من عام 2022، غير أنّ الدورة الثانية التي ستُقام غداً الخميس في «مول نورث سكوير» في العلمين، سبقتها انتقادات حادة. انتقادات سبّبت حرجاً لـ«نقيب المهن التمثيلية»، أشرف زكي، المنوط بنقابته تنظيم مهرجان الليلة الواحدة. وعلى خطٍ موازٍ، يتولّى النجم الكبير وعضو مجلس الشيوخ، يحيى الفخراني، منصب الرئيس الفخري منذ العام الماضي.
أول هذه الأخطاء، ومعظمها ناتج عن غياب المعلومات والتسرّع مع قدر كبير من العشوائية، ارتبطت بـ «جائزة الجمهور»؛ التي أعلنت عنها إدارة المهرجان. فيما يُمنح جميع الجوائز من قبل لجنة تحكيم، خُصّص موقع إلكتروني ليمنح من خلاله الجمهور جوائز إضافية عبر التصويت الإلكتروني المباشر. وبعد ساعات من تفعيل الموقع وإعطاء النجوم والمتفرجين مهلة أقلّ من أسبوع للترويج والتصويت، فوجئ المؤلفون مثلاً بأنّه لا فئة مخصّصة لهم. خطأ اعتذر عنه زكي، قبل أن تُضاف أسماء مؤلّفي الأعمال الدرامية المعروضة في العام الحالي بعد ساعات. هذه السرعة في التصحيح والإضافة لم تخلُ من العثرات. إذ اشتكى السيناريست ناصر عبد الرحمن من عدم وجود اسمه، رغم أنه قدّم مسلسلين في رمضان الماضي. والمفارقة أنّ أحدهما هو مسلسل «ستّهم» (إخراج رؤوف عبدالعزيز) من بطولة روجينا، زوجة أشرف زكي، رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان. وإذا كان تجاهل المؤلّفين يمكن أن يقع تحت المقولة الشهيرة «جل من لا يخطئ»، لكن خطأ آخر أثار السخرية، إذ ضمّت قائمة «أفضل مسلسل» عملين لم يُعرضا بعد، هما: «سفاح الجيزة» (تأليف إنجي أبو السعود وعماد مطر، وإخراج هادي الباجوري) و«سكّر» (تأليف جين ويبستر اقتباساً من رواية «صاحب الظل الطويل»، وإخراج تامر المهدي). والأخير تم إلغاء فكرة تقديمه كحلقات درامية وتحوّل إلى فيلم من أجزاء عدّة. كما شملت الانتقادات فكرة عدم تصنيف المسلسلات، سواءً على أساس توقيت العرض داخل أو خارج رمضان، أو وسيلة العرض عبر التلفزيون أم حصرياً على منصات رقمية، فضلاً عن عدد الحلقات، أي إنّ كل متفرّج مطلوب منه اختيار مسلسل واحد فقط كأفضل عمل في عام 2023 من بين 59 مسلسلاً بعد حذف «سكّر» و«سفّاح الجيزة».
أخطاء ناتجة عن غياب المعلومات والتسرّع مع قدر كبير من العشوائية


هذا عن «جائزة الجمهور»، فماذا عن لجنة التحكيم التي ضمّت خمسة أسماء بارزة، هي: كريم عبد العزيز، إلهام شاهين، السينارست عبد الرحيم كمال، الناقد طارق الشناوي والمخرج جمال عبد الحميد؟ علماً أنّ الأخير حمل لاحقاً لقب الرئيس بعدما نشرت إدارة المهرجان الأخبار بدايةً من دون الكشف عن رئيس اللجنة، وهي واحدة من عجائب تنظيمية لن يجد لها أيّ متابع تفسيراً منطقياً. ومن المفترض أنّ هؤلاء الخمسة سيقيّمون المسلسلات الـ 59، في غياب أيّ إجراءات على شاكلة: هل سيشاهد كل عضو المسلسل كاملاً أم بضع حلقات؟ ومتى بدأت أعمال اللجنة؟ ومتى انتهت؟ والسؤال الأخير شغل بال من يعرفون أنّ كريم عبد العزيز وعبد الرحيم كمال موجودان منذ أسبوعين في كازاخستان لتصوير مشاهدهما في المسلسل الرمضاني «الحشاشين» (سيناريو وحوار عبد الرحيم كمال، وإخراج بيتر ميمي).
كل ما سبق يؤكّد أنّ الحدث برمّته شكليّ، والهدف منه جمع النجوم والدعاية للمدينة الجديدة والتظاهر بأنّ الدراما المصرية تلقى دعماً سياسياً. كلّها أمور كان في الإمكان تحقيقها، لكن مع قليل من التنظيم وكثير من الشفافية، وكلاهما غائبان عن المهرجان الذي سيُقام ليكون بمثابة حدث الختام لـ «مهرجان العلمين الجديدة» الذي تنتهي دورته الأولى يوم السبت المقبل.