في عام 2021، رحل قاسم طوير، وهو عالم آثار سوري حصد شهرة عالمية وعربية، ونال وسام الاستحقاق الألماني من الدرجة الأولى سنة 1978، ثم وسام الاستحقاق الإيطالي بدرجة فارس عام 1979، وجائزة «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» التابعة للجامعة العربية لأفضل ترجمة من اللغة الأوروبية سنة 1993، عدا عن أنه سافر في بعثات إلى أهم الجامعات العالمية والأميركية، وحاضر في أرفع المحافل والأكاديميات الآثارية، ودرّس تاريخ الفن والآثار الإسلامية في ألمانيا.
لوحة للفنان السوري بطرس المعري

المهم حين تواصلت عائلته مع «وزارة الثقافة السورية» بعد دقائق من انطفائه، ليستأذنوا الوزيرة لبانة مشوّح بوضع اسم الوزارة على النعوة، جاء الجواب من مديرة مكتب معاليها: «نعتذر، الوزيرة لم تستذكره»! لم يسعفها أي مستشار، ولم تكلّف نفسها عناء البحث على غوغل لتعرف أن سوريا خسرت واحدة من قاماتها الرفيعة! هذا مجرّد مثال بسيط عن مستوى الانحدار الذي وصلته الثقافة المحلية. وفقاً لتلك الصيغة، لن يستغرب أحد أن تكون «مديرية المسارح والموسيقى» التي تتبع للوزارة ذاتها (يديرها عماد جلّول منذ قرابة 15 عاماً خلافاً للقوانين التي تمنع استمرار أي مدير عام أكثر من أربع سنوات) في حال أفضل. المسرحان الوحيدان العاملان في دمشق (الحمراء والقباني) مثلاً يأكلهما الغبار، فيما تبدو أنشطة بقية المحافظات خجولة بطريقة تثير الشفقة! لكن فجأة قررت المديرية تفعيل دورها والنهوض من غفوتها ورفع نشاطها إلى الذروة بعد نجاح عرض «في رواية أخرى» (لوتس مسعود وكفاح الخوص) بفضل صنّاعه. وإذ بـ «مسرح الحمراء» يعلن قبل بضعة أيام عن عرض راقص (الأمس واليوم) بعنوان «من العالم» (كوريغرافيا باسل حمدان ومجد أحمد- استشارة درامية ريم شالاتي) إلى جانب إعلان المديرية عن «مهرجان حلب المسرحي» ونشر الشروط الواجب توافرها في العرض! طبعاً، حفظت «دار الأوبرا» ماء وجهها عندما أضاءت مبناها بالعلم الفلسطيني عشيّة عملية «طوفان الأقصى»، وأجّلت أنشطتها جميعها بضعة أيّام لتعود وتعلن قبل عن أمسية موسيقية كلاسيكية للتونسي فادي بن عثمان مع عازف الكلارينيت يوسف المسعودي ومغنية السوبرانو السورية رشا أبو شكر.
طيّب، ما الذي يجعل «وزارة الثقافة» ومديرياتها مستعجلة على تلك الأنشطة؟ هل توقفت الحرب الصهيونية المجرمة ضد غزّة؟ أم أنّ البلاد كانت ستتهاوى أكثر مما هي عليه الآن، في حال تأجلت هذه الفعاليات التي يمكن القول بثقة إنّه لن يحضرها سوى العشرات من ذوي المشاركين فيها، خصوصاً أنّ المزاج العام كله مترنّح والعيون تترصّد غزة وفلسطين كلها، وتراقب ما يمكن أن يحدث بعدما خرج مطارا دمشق وحلب عن الخدمة بقصف صهيوني، في حين باتت الملامح تشي بإمكانية اندلاع حرب إقليمية! طبعاً ذلك كلّه وسط إصرار غالبية نجوم الدراما السورية على إغماض عيونهم عن مجازر الاحتلال، وعدم التضامن مع الضحايا الأبرياء، خوفاً على مصالحهم وأدوارهم في دراما معرّبة سخيفة!
هذا ما يحدث فعلاً في سوريا التي تتباهى تاريخياً بموقفها المشرّف من القضية الفلسطينية، من دون امتلاك الحدود الدنيا من البراعة الإدارية في وزارة الثقافة ومديريّاتها للنظر فقط إلى مصر التي أجّلت كثيراً من الفعاليات والمهرجانات الفنية والموسيقية.