خلال «طوفان الأقصى»، تحضر وسائل التواصل الاجتماعي بقوةٍ مع تلاشي وضعف الإعلام الكلاسيكي، ناهيك بدوره المنحاز إلى المسخ الإسرائيلي. منذ الساعات الأولى لبدء المعركة، ظهرت شخصيات من نوع إيدي كوهين الذي أثارت تغريداته اهتمام كثيرين، وخصوصاً الناشطين العرب الذي يتشاركونها لإظهار «قبح» الصهاينة. قبل ساعات من كتابة هذه السطور، نشر كوهين تعليقاً على X (تويتر سابقاً) أشار فيه إلى «اعتذار» صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية من جيش الاحتلال على اتّهامه بتدمير «مستشفى المعمداني» في غزّة، قائلاً بسخرية: «ههه من سيصدّقهم الآن؟ العالم استيقظ». منشوره التالي كان ساخراً من الرئيس الجزائري عبد الحميد تبون، إذ أشار إليه بالاسم: «هل تبون بخير؟ غزّة مظلومة. وينك يا تبو؟».كثيرون تعرّفوا إلى كوهين خلال «طوفان الأقصى». الصهيوني الذي يدّعي أنّه إعلاميٌّ وأستاذ جامعي وتستضيفه المواقع والمؤسسات الإعلامية الخليجية على أنه كذلك، ليس سوى عنصريٍّ موتور. لكنّ هذه الشخصية أقدم من الأحداث الأخيرة، سبق أن حقّقت ضجّة عبر كلامها العنصري الموجّه تحديداً إلى العرب والمقاومين، وبالتأكيد لكلّ من يعارضها. المؤسف طبعاً هو استضافته على مؤسسات عربية عدّة («العربية» و«الجزيرة» و«إيلاف» وسواها)، ومنحه مساحةً للتعبير عن رأيه، كما لو أنّ هذا الصهيوني يمثّل وجهة نظره الشخصية لا وجهة نظر كيان الاحتلال وأنّه مجرّد موظف لا أكثر ولا أقل.


بدأت شهرة كوهين عبر السوشال ميديا في عام 2012 مع مباشرة نشاطه على تويتر، ليذيع صيته تدريجاً، وخصوصاً أنه يعتمد على الاستفزاز لاستدراج ردود فعل من الجمهور العربي. أفاد كوهين من خوارزميات منصّات السوشال ميديا، حيث يعتبر التفاعل (مهما كان شكله) إفادة وإنجازاً. هكذا، أضحت صفحاته أشبه بساحة «حرب» رفعت أسهمه وحوّلته إلى شخصية محورية يتابعها كثيرون، من بينهم مشاهير عرب. بعضهم يحاورونه، فيما يتابعه آخرون ضمن منطق «اعرف عدوّك». يكفي فقط أن نشير إلى أنّ كوهين مثلاً يتابع قرابة الـ 1700 شخص، فيما يتابعه أكثر من 620 ألفاً، جلّهم من العرب. لكن لماذا؟
يشبه كوهين المعلّقين في رياضة المصارعة، المعروفين بـ color commentators. يضيف هؤلاء لمسة من عدم الواقعية والتحيّز والاستظراف المستفزّ. مثلاً، نشر أخيراً صورة للأرض التي سوّتها طائرات الاحتلال أرضاً في قطاع غزة المحاصر خلال الحرب الحالية، مع جملةٍ ساخرة: «الفلسطينيون: انتصرنا». منشور مقزّز حاز 279 إعجاباً وأكثر من 74 مشاركةً و1213 تعليقاً. ويُتابع في منشورٍ آخر: «22 دولة عربية لا ثقل، لا هيبة، لا نفوذ. لم يستطيعوا إدخال كيلو أرزّ إلى غزة. قمم فارغة. بيانات واستنكارات شديدة هههه. الله يرحمك يا قذافي على الأقل كنّا نضحك شوي». المشكلة أنّ كلامه قد يجذب المواطن العربي البسيط، كما أنّه يرمي في الوقت نفسه إلى اللعب على وتر الفتن المذهبية والطائفية والانقسامات العربية وبثّ الضغائن عبر كلامٍ شعبوي ضحل، يستهدف عبره ضعاف العقول من العرب أو غيرهم. هكذا، يتبارى هؤلاء إمّا لشتمه، أو لمشاركة المحتوى كالكويتية المطبّعة فجر السعيد. حتى إنّه يرفع من حدّة كلامه، قائلاً: «أردتم حرباً، فلتكن حرباً». أو يبدأ بإطلاق الأحكام، كما حصل حين قال: «العرب لم يتعلّموا من التاريخ الأمور الآتية: 1- إيران تريد احتلال وتدمير الدول العربية ولا تريد خيراً للعرب. 2- القادة الفلسطينيون غدارين وخونة. 3- الإسلام السياسي و«الجزيرة» يريدون إسقاط الأنظمة العربية».
ينشر بوتيرة تغريدة في الدقيقة الواحدة

عبارات سرعان ما يتلقّفها الإعلام المتصهين، عربياً كان أم غربياً، ما يؤكّد أنّ إيدي ليس مجرّد «ناشط»، بل أكثر من ذلك بكثير. المستوظف الصهيوني هذا، لا يكفّ عن تلقّف الأخبار من الماكينة الصهيونية. على سبيل المثال، يشارك فيديو نشرته لورينا الخطيب، وهي أيضاً مستوظفة صهيونية عربية كانت تعمل رسمياً لحساب جيش الاحتلال كصانعة محتوى وناطقة باسمه. وأرفق كوهين المقطع المصوّر الفيديو بتعليق: «صدّق أو لا تصدّق... دواعش حماس قتلوا امرأة محجّبة مسلمة. أقسم بالله العظيم أنا مذهول من وحشيّتهم تجاه المسلمين خاصة». إنّه أسلوب التجارة الإلكتروني. يتباهى كوهين بأصوله اللبنانية كلّما سنحت له الفرصة، وبأنّه «لوحق» من قبل حزب الله. هنا يأتي السؤال: هل إيدي لبناني أصلاً؟ لا إجابة حاسمة حول الأمر، إذ كلّ المعلومات حوله هي ما يقوله عن نفسه. وليس من الصعب على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي يبدو أنّ كوهين أحد منتجاتها أن تقنعنا بها.
تفاصيل كثيرة تظهر لنا بوضوح أنّ إيدي ليس فرداً، بل «نظام» إلكتروني قد تكون الوحدة 8200 (وحدة الهاسبارا) في جيش الاحتلال مسؤولة عن «ابتكاره»، إذ إنّه يُنتج ما وتيرته «تغريدة» كل دقيقة، إذا ما احتاج الكيان لذلك. كميّة المشاركات والتعليقات السريعة، تُظهر أنّ هناك تفاعلاً عربياً بالتأكيد، لكن في الوقت نفسه ليس بهذه السرعة والقوّة. أخيراً، الهدف من كل هذا المقال عن كوهين هو التشديد على ضرورة عدم تفاعل الناشطين العرب معه، لأنّ التفاعل يزيد من ترويج السرديّة الصهيونية ونشرها بين العرب، وتلك تماماً هي إستراتيجية كوهين وخلفه إسرائيل.