‏«لن نسمح بالدعاية الخطرة التي تبثّها قناة «الميادين»». عبارة صرّح بها وزير الدفاع في حكومة العدوّ يوآف ‫غالانت‬، معلناً الحرب على القناة التي تتخذ من بيروت مقرّاً لها. جاء التصريح أمس عقب مصادقة «الكابينت» الإسرائيلي، على قرار يقضي بإيقاف عمل شبكة «الميادين» في فلسطين المحتلّة. وطالب وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو قرعي بإغلاق مكاتب «الميادين» ومصادرة معدّات البثّ، ومنع استخدام البنى التحتية للاتصالات المختلفة لهيئة البث وفقاً لـ«أنظمة الطوارئ» لدى العدو وحكومته.ولفتت شركات الإنتاج الفلسطينية، التي تقدّم خدمات للقناة في الضفة الغربية في تصريحات للوكالات العالمية، إلى أنّها أوقفت تزويد «الميادين» بالخدمات بعد قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، مع العلم أن لـ«الميادين» ثلاثة مراسلين في مكتب فلسطين الذي يديره ناصر اللحام، موزعين على مختلف المناطق بين غزة والضفة الغربية وغيرهما.
تندرج خطوة إغلاق مكتب «الميادين» ضمن سياسة الاستهداف المباشر وغير المباشر وإسكات الإعلام التي يعتمدها العدوّ منذ اليوم الأول للحرب على غزة، فضلاً عن قتله حوالي 50 صحافياً منذ بدء الحرب، موزعين بين مراسلين ومصوّرين، ضارباً عرض الحائط بكل الشرائع والقوانين الدولية والإنسانية والمهنية، بالإضافة إلى قتل عائلات الصحافيين في محاولة لترهيبهم ومنعهم من نقل وقائع الإبادة الفظيعة التي يرتكبها «الجيش» الصهيوني. لعل أهمّ ما يميّز هذه الحرب هذه المرة أنّ الساحة الإعلامية كانت هدفاً مباشراً لإسرائيل، بعدما نجح الإعلام المقاوِم والحضور الافتراضي الكثيف لمناصري الشعوب المظلومة والمحتلة في معركة التوعية وكشف وجه إسرائيل الاستعماري المتوحّش، فانقلبت الموازين لمصلحة السردية الفلسطينية. ضمن هذه المؤسسات تندرج «الميادين»، فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، دأبت القناة على تغطية الحدث بكل تفاصيله، مركّزةً على نقل الوقائع مباشرة من الأراضي الفلسطينية عبر فريق مكتبها هناك. كذلك، وزّعت مراسليها على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة؛ من بينهم: علي مرتضى، محمد الساحلي وحسين السيد، وتوالوا على نقل الصوت والصورة هناك. نجحت القناة في مهامها الإعلامية عبر تعرية جرائم العدوّ أمام الرأي العام العالمي والعربي، فقرّر أولاً تخويف الإعلاميين وترهيبهم، حتى وصل به الأمر إلى توجيه تهديدات شخصية لمراسلي قناة «الميادين». وكانت مجموعة من الصحافيين الإسرائيليين قد تعدّت على مراسلة «الميادين» في القدس المحتلة هناء محاميد، إذ تلقّت المراسلة اتصالاً يُفيد بحصولها على مظروف بريدي يتم تسليمه في فرع تابع للبريد في كفر سابا، لتفاجأ هناك بوجود مجموعة من الصحافيين الذين راحوا يصوّرونها، داعين إياها إلى اتهام «حماس» وقول ما يخالف قناعاتها. هذه الحادثة لم تكن الوحيدة ضد مراسلي «الميادين» في فلسطين. قبل أيام قليلة، أعلن مدير مكتب المحطة في فلسطين ناصر اللحام أن قوات الاحتلال اعتدت على زوجته وولديه، واقتحمت منزله في بيت لحم جنوب الضفة الغربية. وكشف المراسل أنّ قوات الاحتلال اعتقلت نجلَيه: باسل وباسيل، قبل الإفراج عن الأخير ومصادرة هاتف الأول.
لن نتراجعَ عن إظهارِ حقيقة حرب الإبادة التي يشنُّها الاحتلالُ على غزةَ وشعبِ الجبارين (غسان بن جدو)


في هذا الإطار، تلفت المعلومات لـ«الأخبار» إلى أن قرار إقفال «الميادين» جاء نتيجة ضغوط كبيرة تعرّض لها المراسلون الإعلاميون هناك، وقد ازدادت في الأيام القليلة الماضية مع قطع وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت وضعف شبكات الإرسال. إلا أن الفريق هناك بقي مصرّاً على مواصلة عمله. وتشير المصادر إلى أنه على رغم سياسة التهويل والتخويف التي اتبعتها إسرائيل مع مراسليها، فقد بقيت المحطة صامدة تفتح الهواء مباشرة مع مراسليها في فلسطين. وأشارت المعلومات إلى أن قرار إغلاق «الميادين» يدلّ على دورها الفعّال في انقلاب المزاج العالمي لمصلحة قضية فلسطين، وخصوصاً أنّ القناة فاعلة على صفحات السوشال ميديا وتتمتع بعدد كبير من المتابعين حول العالم. وتشير المعلومات الى أنها المرة الأولى التي يقرر فيها «الكابينت» إغلاق مكاتب «الميادين»، لكنّ ذلك لن يحول دون تغطية القناة لأخبار فلسطين، بل تحضّر لخطّة إعلامية يكون محورها فلسطين والحرب على غزة. وبالتوازي مع انطلاق حملات تضامنية مع القناة على صفحات السوشال ميديا، أطلّ رئيس مجلس إدارتها الإعلامي غسان بن جدّو ليردّ على القرار الإسرائيلي أمس قائلاً: «نحن الميادين، لم نُخْفِ يوماً خِيارَنا الحاضنَ فلسطين القضية، والمُدافعَ عن شعب فلسطين الكرامة، والعاشِقَ مقدّسات فلسطين المسيحيةَ والإسلامية، لم ننافِقْ يوماً، إننا معَ الإنسانِ في كلِّ مكان، ندعمُ مقاومةَ شعوبِ العالمِ أيَّ احتلال، وفي مقدَّمِهِم الشعبُ الفِلَسطينيّ المظلومُ المُعتدَى عليه في كلِّ ثانيةٍ». وتابع أنّ «مِصداقيةَ «الميادين» التاريخيةَ والنضاليةَ الإعلاميةَ اليوميةَ أرّقت سلطات الاحتلالَ، وحظْرُنا جزء مِن سياستِها الدائمةِ في الاعتقالِ وكمِّ الأفواهِ، ومصادرةِ حريةِ الصِّحافةِ والتعبيرِ، وإنِ ادَّعَت غيرَ ذلك، وقدّمتْ لنفسِها صورةً استعراضيةً للديموقراطيةِ الشكليةِ الباهِتة». وختم قائلاً: «لن نتراجعَ أبداً عن إظهارِ حقيقةِ حربِ الإبادةِ التي يشنُّها الاحتلالُ على غزةَ وشعبِ الجبارين».