«في خِضمّ الأحداث الجارية على الساحة الدولية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، عودة إلى الوراء وتحديداً إلى ما قبل عام 1948 وحتى يومنا هذا، لم يمر على تاريخ هذا العالم كيان محتل وغاصب بقي خارجاً عن القوانين الدولية وخارج المحاسبة والمساءلة كما هي الحال مع هذا الكيان الغاصب. والمسؤولية تزداد علينا يوماً بعد يوم، كأكاديميين وحقوقيين وإعلاميين وباحثين في علم الاجتماع، بوجوب توثيق هذه الأعمال حتى لا تبقى من دون حساب رادع».
عماد أبو اشتية ــ «سنعود» (2014)

بهذه الكلمات رسم رئيس الجامعة اللبنانية بسّام بدران ملامح المؤتمر الأكاديمي الذي أقامه «معهد العلوم الاجتماعية» ومركز أبحاث المعهد في الجامعة اللبنانية حول أحداث غزّة بعنوان «طوفان الأقصى بين الأسرلة والتهويد/ قراءة سوسيو-سياسية» بحضور أكاديميين وحقوقيين وإعلاميين وشخصيات سياسية. بيّن رئيس الجامعة اللبنانية «أنّنا لا ننظر إلى هذا المؤتمر من منطق مجرد كمسعى أكاديمي؛ إنما يستبطن دعوة واضحة لدعم مبادئ العدالة والرحمة والحقوق الأصيلة لكل فرد في هذا الشعب المقهور الذي يعيش في أقسى الظروف والاعتداءات المستمرّة». من جهتها، اعتبرت عميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية البروفسورة مارلين حيدر أنّ العالم «يشهد اليوم في فلسطين محواً لمعالم المكان وإبادةً بشرية، وفي الجنوب اللبناني مناوشات وجولات قتال بين العدو الصهيوني والمقاومة، ما يولّد ارتداداتٍ على المنطقة لا بل على العالم الذي يشهدُ تموضعاتٍ وتحالفات في محاورَ متعدّدة». واعتبرت أنّ «تنظيمَ مؤتمرٍ حول «طوفان الأقصى» في معهد العلوم الاجتماعية لقراءة سوسيو سياسية، مهم جداً على المستوى البحثي في أكثر من تخصّص اجتماعي يتضمّنه منهاجنا التعليمي». وبيّنت «أنّ حالة «طوفان الأقصى» وضعتنا أمام تحدياتٍ ومراجعات فكرية وبحثية كثيرة، بدءاً من قيمة شرعة حقوق الإنسان ومضامينها التي تبدو مجرد حبرٍ على ورق، وصولاً الى كثير من المفاهيم والقيم الإنسانية التي تبَنّيناها فكرياً وروّجنا لها في أبحاثنا وكتبِنا وفي صفوفِنا؛ كما تأخذنا إلى قراءة نقدية عميقة للفكر الاستعماري الغربي، ولمفهوم الإبادة الجماعية الذي تصوّرنا أنّنا تخطّيناه مع تطور الفكر البشري ووعيه لأخطائه التاريخية».
قوّة الإعلام السياسي هي التي تصنع الرأي العام الغربي وليس الفكر


من جهته اعتبر رئيس مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية حسين أبو رضا أنّه «يبدو غريباً ومثيراً للجدل بعض بيانات ومفكّري الحداثة الغربية حول أحداث غزة وتداعياتها المجتمعية، وتشير هذه الغرابة إلى علاقة الأفكار والنظريات المثالية التي نادى بها بعض هؤلاء المثقفين الغربيين تحديداً، بالحقائق والأخلاق والوعي الإنساني. فبدا للوهلة الأولى عند قراءتها وجود تشوّهات بنيوية داخل الوعي والمناخ المعرفي الغربي عموماً». ورأى أنّه «قد آن الأوان لتجاوز فكرة أن الحضارة الغربية هي حضارة كونية، وأن قيمها قيم عالمية وأنها الحضارة الأرقى، وأنها حضارة العقلانية المكتملة والإنسانية الرحيمة الوحيدة. علماً أنّ قوّة الإعلام السياسي على ما يبدو، هي التي تصنع الرأي العام الغربي، وليس الفكر»، داعياً إلى «الخروج من دوائر ومدارات الدهشة والإعجاب العاطفي بالسقف الزجاجي للحداثة، على أن يتأسّس ذلك «الخروج» على قاعدة نظرية وعلى نظام معرفي جديد، يقوم على أنقاض الوضعية من جهة، والحداثة من جهة أخرى، خصوصاً أنّ لدينا في تراثنا العربي والإسلامي ما يفي بالغرض». واعتبر «أنّ مقاربة تداعيات «طوفان الأقصى» والعدوان الإسرائيلي، تتطلّب من الباحث تفكيك الظاهرة المدروسة إلى قضايا فرعية من خلال متغيّراتها الخاصّة وبالطبع من خلال مناهج العلوم الاجتماعية».
خلال المؤتمر، عرض الباحثون المشاركون 11 ورقة بحثية، وأسفر الحدث عن الخروج بتوصيات عدّة تتعلّق بمسارات أكاديمية وبحثية ستُرفع إلى رئيس الجامعة اللبنانية، وستُنشر الأوراق البحثية الصادرة عن هذا المؤتمر في عدد خاص من مجلة مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية.