من تظاهرة في برلين منددة بتواطؤ الدولة مع محرقة غزّة
لسوء الحظ، فإن ردّكم بتاريخ 18 كانون الأول 2023، لم يقدّم التوضيح المتوقع بشأن موقف «معهد غوته» من الحرب في غزة. ورغم أنكم أعربتم عن صدمتكم إزاء العدد المتزايد من الضحايا المدنيين واعترفتم بالوضع الإنساني الكارثي، إلا أنه لم تكن هناك إدانة لإسرائيل، المسؤولة عن هذه الفظائع بدعم من حكومتكم» وأضاف: «ألغى «معهد غوته» في تل أبيب مناقشة حول موضوع «فهم معاناة الآخرين: المحرقة والنكبة والذاكرة الثقافية الألمانية» تحت ضغط من وزارة الخارجية الإسرائيلية ومختلف المنظمات المؤيدة لإسرائيل. إن هذه السياسات المكارثية التي تهدف إلى قمع حرية التعبير، وخصوصاً تظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني، تتسبّب في غضب دولي متزايد. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك الدعوة إلى الإضراب الذي أطلقه العاملون في مجال الثقافة الدولية داخل المؤسسات الثقافية الألمانية، وأطلق عليه اسم «قاطعوا ألمانيا» (راجع الكادر) لإدانة القمع الممارس ضد الفلسطينيين وكذلك أولئك الذين يعارضون جرائم الحرب الإسرائيلية. ويطالب المؤسسات الثقافية الألمانية بالالتزام بإلغاء قرار مكافحة المقاطعة ومحاربة جميع أشكال العنصرية والتعصب على قدم المساواة. علاوة على ذلك، فإن القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة الألمانية بتعليق التمويل لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على الفور هو أكثر من مفزع، فهو صادم ومثير للقلق العميق. ولقد أدان معهد «لمكين» لمنع الإبادة الجماعية القرار، ووصفه بأنه زيادة في المشاركة في الإبادة الجماعية المستمرة للفلسطينيين في غزة، وانتهاك لحكم محكمة العدل الدولية الأخير، وإضافة إلى مسؤوليات الدول المشاركة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. لذلك، يؤسفني بشدة أن أبلغكم أنّ «مسرح ريو» والعاملين فيه لا يمكنهم الاستمرار في التعاون بضمير حيّ مع «معهد غوته» في تونس، ولا مع أيّ مؤسسة ألمانية أخرى تجرّم التضامن مع الفلسطينيين».
يذكر أن فضاء سينما «مسرح الريو» يعدّ من أعرق الفضاءات الثقافية، أنقذه الحبيب بلهادي قبل عشر سنوات واستثمر في إصلاحه وتحويله إلى فضاء ثقافي متعدد بإمكاناته الخاصة وقروض من المصارف، ويعدّ اليوم من أهمّ الفضاءات المستقلة في العاصمة التونسية.
اضطهاد الأصوات الفلسطينية
وقّع مئات المثقفين والفنّانين حول العالم، من بينهم الكاتبة الفرنسية الفائزة بجائزة «نوبل للآداب» آني إرنو، عريضةً تدعو إلى مقاطعة المؤسّسات الثقافية الألمانية بسبب قمعها صوت الفلسطينيين في سياق العدوان الإسرائيلي على غزّة، ضمن حملة «قاطعوا ألمانيا» التي تعرّف عن نفسها على موقعها الإلكتروني بأنّها تهدف إلى «مقاطعة العنصرية المناهضة للفلسطينيّين والرقابة بأشكالها الرسمية الأكثر تقدّماً». وتقول الحملة إنّه «في الوقت الذي يتمّ فيه القضاء على غزة، تقع على عاتق الفنّانين والعاملين في مجال الثقافة مسؤولية النضال من أجل التضامن الدولي والحقّ في التحدّث علناً ضدّ المذبحة المستمرة». يأتي ذلك في وقت تواصل فيه النخبة الحاكمة في ألمانيا تقديم فروض الطاعة والدعم غير المشروط للعدوّ، وتقديس «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، في موازاة قمْع الاحتجاجات المؤيّدة لفلسطين وحظْر أيّ نشاط معادٍ لإسرائيل. وكان مجلس الشيوخ في برلين قد أعلن قبل أيام أنّه سيطلب من الآن فصاعداً من الفنانين والعاملين في مجال الثقافة الموافقة على تعريف إشكالي لمعاداة السامية كشرط للحصول على تمويل من الدولة، في خطوة أثارت احتجاجات واسعة.