على أن العلاقات بين إيران ودول أميركا اللاتينية مرّت بتقلّبات، ولكنها بلغت ذروتها في عهد حكومة محمود أحمدي نجاد، حين ارتفعت، على سبيل المثال، قيمة التبادل التجاري بين إيران وأميركا اللاتينية من نحو مليار دولار عام 2005، إلى قرابة 4 مليارات في عام 2013، وهي السنة الأخيرة لإدارة أحمدي نجاد. وبادرت إيران، خلال تلك السنوات، إلى تنويع شركائها الاقتصاديين والتجاريين في علاقاتها الاقتصادية مع دول أميركا اللاتينية، واستطاعت، في الفترة بين عامَي 2009 و2013، أن تبرم أكثر من 250 اتفاقاً تجاريّاً مع تلك الدول. واستمرّت هذه العلاقات، خلال عهد إدارة حسن روحاني، بين عامَي 2013 و2021، بعمق أقلّ، ولعلّ السبب الرئيس يعود إلى رغبة تلك الإدارة في التعاون مع الدول الغربية؛ غير أن فشل الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، قوّض هذه النظرية في إيران.
يبدو أن التوجّه نحو دول أميركا اللاتينية تعزَّز في غضون العامَين الأخيرَين، أي مع مجيء إدارة إبراهيم رئيسي
لكن، يبدو أن التوجّه نحو دول أميركا اللاتينية تعزَّز في غضون العامَين الأخيرَين، أي مع مجيء إدارة إبراهيم رئيسي، وذلك في إطار سياستها الهادفة إلى «تنويع العلاقات الخارجية»، والذي ترافق مع الجهود الرامية إلى تعزيز وإعادة تأهيل العلاقات مع دول المنطقة، تحت عنوان «سياسة الجوار». ومن جهة أخرى، شكّل التعاون والانضمام إلى المنظّمات التي تمثّل رمزاً للتصدّي للهيمنة الأميركية، بما فيها «منظمة شنغهاي للتعاون» ومجموعة «بريكس» في إطار سياسة «التوجّه شرقاً»، جزءاً من التوجّهات الأخرى لإدارة رئيسي. وتزامناً مع اشتداد حدّة الخلاف بين طهران وواشنطن وضبابية آفاق إحياء الاتفاق النووي، ينطوي توجّه إيران نحو أميركا اللاتينية، بوصفها الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، على دلالات عديدة.
والدول التي يزورها رئيسي، هي ثلاث دول مفتاحية بالنسبة إلى إيران في أميركا اللاتينية؛ ففضلاً عن جهوزيتها لإقامة علاقات تجارية وثقافية وعلمية مع الجمهورية الإسلامية بأعلى المستويات، فهي تُعدّ بمنزلة الحليف السياسي الذي حافظ على خطابه المتمثّل في التصدّي للإمبريالية ومناهضة أميركا. وشكّلت مواجهة الهيمنة الأميركية أهمّ عامل أَسهَم، طيلة هذه السنوات، في تقارب إيران مع الدول اليسارية في أميركا اللاتينية، ما حدا بواشنطن إلى التعبير عن امتعاضها من الحضور الإيراني في هذه المنطقة.
وإضافةً إلى كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، تُعدّ البرازيل إحدى دول أميركا اللاتينية الأخرى التي تعمل إيران على إعادة تأهيل العلاقات معها بعد وصول لولا دا سيلفا إلى الرئاسة مجدّداً. فخلال الأشهر الماضية، برزت مؤشرات إيجابية إلى توافر فرص تقارب العلاقات بين البلدَين، على رغم العراقيل الأميركية. والمثال البارز على ذلك، موافقة البرازيل على رسو السفن الإيرانية في ميناء ريو ديجانيرو، إذ نقلت الخدمة الإخبارية لمؤسّسة القوات البحرية الأميركية، في تقرير بُث في ذلك الحين، عن خبراء أميركيين، قولهم إن القرار بمنح ترخيص لرسو السفن الإيرانية في البرازيل، يمثّل انتصاراً لطهران، لافتةً إلى أنه ينبغي ترقُّب المزيد من الإجراءات المماثلة من جانب إيران. وقد رست السفن الإيرانية في ميناء في البرازيل، على رغم التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على المسؤولين البرازيليين.