يستغلّ «الإخوان المسلمون» في الخليج، الخلاف الناشئ بين الكويت وإيران، حول حقل الدرّة للغاز، القريب من المنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية، لتحريض الأخيرة على إيران، ومحاولة توريطها في تحالف مع تركيا، يعيد إلى الجماعة بعضاً من دورها المفقود، في محاولة لإدخال راعيها التركي إلى الخليج من الشبّاك بعدما خرج من الباب. ويتزامن هذا الطرح مع تغيير أنقرة تموضعها نحو العودة للاندماج في «حلف شمال الأطلسي» (الناتو)، طمعاً في إخراجها من أزمتها الاقتصادية التي كادت تطيح الرئيس رجب طيب إردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وللمفارقة، كانت السعودية واحدة من الدول التي مدّت له يد العون، حين أودعت 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، على رغم الخلافات العميقة القديمة والجديدة بين النظامين السعودي والتركي. لكن هذا الإيداع لا يخرج عن كونه مكافأة للرئيس التركي على تعقّله بعدما ذهب بعيداً في محاولته إطاحة بعض الأنظمة الخليجية، في ذروة طموحاته الإمبراطورية خلال العقد الماضي. ولذا، فإن جلّ ما يمكن أن يطمح إليه الرئيس التركي الذي يزور الخليج حالياً، هو الحصول على مساعدات تساهم في تعويم الاقتصاد التركي.الجدال المستجدّ حول تحالف تركي محتمل مع دول الخليج، أطلقه الأستاذ الجامعي الكويتي، عبد الله النفيسي، المتابَع على نطاق واسع في كلّ أنحاء الخليج، من خلال تغريدة على «تويتر» قال فيها إن «إيران تدرك ضعف دول مجلس التعاون في حال المواجهة بسبب حقل الدرّة. ودرس القصف الحوثي (على منشآت أرامكو) ليس ببعيد. وتدرك إيران انشغال الناتو عن الخليج بحرب أوكرانيا وملف الصين. وحتى لا تستفرد بنا إيران، فالخيار الاستراتيجي المتاح أمام دول مجلس التعاون هو الاستقواء بتركيا عبر مشروع استثماري مشترك في الدرة». قبل الخوض في واقعية طرح النفيسي من عدمها، تركزت الردود عليه على استهداف «الإخوان» الذين يثيرون حساسية خاصة لدى معظم الأنظمة الخليجية وقطاعات واسعة من الشعوب الخليجية التي ترتبط مع حكامها برباط يقوم على نظام رفاه سخيّ عزّزه ارتفاع أسعار النفط. إذ وصف بعض المعارضين لطرح النفيسي «الإخوان» بأنهم «حريم السلطان الذين يبحثون عن أي وسيلة للانبطاح لسلطانهم». ويبدو أن النفيسي، كمعبّر عن اتجاهات «الإخوان»، يعرض على دول الخليج استنساخ التجربة القطرية، إلا أن الحلقة الناقصة في طرحه تُسقط حقيقة أن الراعي والحامي الحقيقي للحكم في الدوحة هو الولايات المتحدة وليس تركيا التي لا تعدو كونها داعماً سياسياً لهذا النظام على مستوى الإقليم، مقابل فتات منافع اقتصادية، وإلا لما استطاع هذا الحكم الخروج من الحصار الخليجي وتجاوز حتى الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بفعل حيوية ومركزية دور قطر كمضيف لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط (العُديد)، وكمفاوض بالنيابة عن الولايات المتحدة مع خصومها الذين ترغب الأخيرة في التفاوض معهم مواربة، لا مباشرة.
الجانب المخفي في كلام النفيسي ينطوي على تحريض للسعودية على إيران، بغرض إسقاط الاتفاق السعودي – الإيراني، الموقّع في بكين برعاية صينية.‎ فهو لم يكن وحيداً بين «إخوان الخليج» في هذا التحريض الذي بدا ممنهجاً، ومدفوعاً من الخارج، وبالتحديد من الولايات المتحدة،ولا سيما أن بعض من دخلوا على الخط هم من المعارضين السعوديين المقيمين على أراضيها والمقربين من «الإخوان»، مثل عمر بن عبد العزيز الزهراني الذي انتقد ما وصفه بتراخي الموقف السعودي في ما يتعلق بالخلاف على الحقل، وممن تعتبرهم المؤسسة الأميركية حلفاءها الأصليين داخل أسرة الحكم السعودية من مثل أنصار وليّ العهد السابق، محمد بن نايف، الذين روّجوا لرواية مفادها أن وليّ العهد، محمد بن سلمان، طالب الأميركيين بموقف واضح من مطالبة إيران بنحو 40 في المئة من الحقل المذكور، وأن الرد الأميركي كان أن «الإيرانيين هم أصدقاؤك الجدد، فحلّ مشكلتك معهم بنفسك، أو اطلب من الوسيط الصيني أن يتدخل».
تواصل الرياض التقليل من شأن حقل الدرّة، واستتباعاً من الخلاف برمّته، في ما يشير إلى أنها ليست في وارد افتعال أيّ مشكلة مع طهران


لكن السعودية، منذ البداية، اختارت المسار الذي تعتقد أنه الأفضل لنظامها بعد تجارب مريرة من الصراع مع إيران، فكان «اتفاق بكين» الذي تجاوزت فيه حتى الترغيب والترهيب الأميركيين، بعد تجربة طويلة لم تستطع خلالها واشنطن توفير الضمانات الأمنية اللازمة للمملكة. والسياسة التي اعتمدتها السعودية في هذه القضية كانت واضحة جداً، فهي لم تتهم في بيان وزارة الخارجية، الذي صدر بعيد إثارة الكويت المسألة، إيران بالقيام بأيّ انتهاك لحدودها البحرية، وإن كانت قد حاكت الموقف الكويتي القائل بأن الحقل هو ملكية مشتركة كويتية – سعودية، وفقاً للتقليد الخليجي الذي يقتضي الاصطفاف مع البلد الخليجي العربي عندما يقع خلاف بينه وبين طرف ثالث. أكثر من ذلك، تواصل الرياض التقليل من شأن الحقل نفسه، واستتباعاً من الخلاف برمته، في ما يشير إلى أنها ليست في وارد افتعال أي مشكلة مع طهران حوله. إذ انتقد حساب «ملفات كريستوف» على «تويتر» الذي يقول معارضون سعوديون إن من يديره هو سعود القحطاني شخصياً، «مستوى الجهل حول الحقول وأعمال التنقيب الذي يجعل بعض الإعلاميين يظهر بطريقة سطحية من خلال القول إن حقل الدرة مطمع سعودي، فاحتياطي الغاز القابل للاستخراج من حقل الدرّة يقدّر بنحو 200 مليار مكعب من الغاز، فيما احتياطي حقل الجاقورة السعودي وحده يقدّر بنحو 200 تريليون مكعب».