وبينما تتضارب المعلومات حول خلفيات اعتقال القحطاني، ترى مصادر «جهادية» تحدّثت إلى «الأخبار» أن اعتقاله كان أمراً مدبّراً من زعيم «الهيئة» في إطار مشروع «التخلّص من غير السوريين في جماعته»، والذي يهدف في محصّلته إلى «شرعنة الهيئة وتحويلها من فصيل جهادي إلى جماعة إسلامية معارضة مقبولة من الغرب»، خصوصاً أن «الهيئة» وثّقت خلال السنوات القليلة الماضية علاقتها بـ«التحالف»، وقدّمت للولايات المتحدة الأميركية مجموعة كبيرة من المعلومات المتعلّقة بجماعات «جهادية» منافسة، من بينها ما يُعرف بـ«جماعة خراسان» التي قامت واشنطن بتصفية معظم أفرادها، وبعض قياديي تنظيم «داعش»، ومن بينهم مؤسّسه وزعيمه الأسبق، أبو بكر البغدادي، وخليفته والزعيم السابق، أبو الحسين القرشي، الذي ادّعت أنقرة القضاء عليه، قبل أن يُصدر التنظيم بياناً يتهم فيه «تحرير الشام» بتصفيته.
المصادر التي ذكرت أن التحقيقات التي بدأتها «الهيئة» تناولت تورّط قياديين وأمنيين فيها في علاقات مع جهات خارجية بما يشمل تقديم معلومات وقوائم أسماء عن مقاتلين فيها، ومقاتلين وقياديين في صفوف فصائل أخرى، أشارت إلى أن التحقيقات بدأت بعد معلومات قدّمتها أنقرة لـ«الهيئة»، تم بموجبها القبض على أكثر من 100 عنصر وقيادي حتى الآن، بعضهم اعترف فعلاً بما نُسب إليه، موضحة أن الاتصالات التي أجراها القحطاني مع «التحالف» كان الجولاني على اطّلاع كامل عليها، ما يعني أن زعيم «تحرير الشام» يحاول عبر اعتقال الرجل الثاني في جماعته تحميله مسؤولية هذا التواصل، خصوصاً أن بعض الاجتماعات التي تمّت بين «الهيئة» ومسؤولين في «التحالف» ناقشت إمكانية نقل مقاتلين من إدلب إلى منطقة التنف، وهي نقطة أبدت أنقرة، وفق المصادر، معارضتها الشديدة لها، الأمر الذي وضع الجولاني أمام اختبار صعب، في ظل السيطرة المطلقة لتركيا على مناطق انتشار «الهيئة».
يبدو ما جرى «مغامرة قد تكون الأخيرة» في ظل شبكة العلاقات الواسعة التي يملكها القحطاني
ويُعتبر ما قام به الجولاني من انقلاب على «رفاق دربه» أمراً معتاداً، حيث انقلب في البداية على أبي بكر البغدادي الذي ساعد في تأسيس «الهيئة» (كانت حينها تحمل اسم جبهة النصرة)، وانقلب بعدها على تنظيم «القاعدة» الذي مثّلت جماعته فرعه في سوريا حتى عام 2016، كما انقلب على فصائل «جهادية» عديدة خلال مسيرته منذ تأسيس جماعته عام 2012 وحتى الآن، بالإضافة إلى انقلابه على كثير من «رفاق دربه» في «الهيئة». ويخوض الرجل في انقلابه الأخير على القحطاني ما تعتبره مصادر «جهادية» بمثابة «مغامرة قد تكون الأخيرة»، في ظل شبكة العلاقات الواسعة التي يملكها القحطاني، سواء في مناطق نفوذ «الهيئة» أو حتى مع جهات خارجية، ما يُنذر بآثار عميقة على بنية «تحرير الشام»، وهو أمر يعرفه الجولاني جيداً. وعلى رغم ذلك قرّر خوض تلك المغامرة في ظل «عدم وجود مساحات أخرى للمناورة»، وهو ما لا يبرّره إلا سعيه للتخلّص من أحد أكبر القياديين الذين قد يشكلون خطراً على تفرّده في حكم جماعته، لتبقى آثار هذا الانقلاب رهينة بالتطورات اللاحقة خلال الأيام المقبلة.